: آخر تحديث

موجة "التعريفات" الترامبية الجديدة محاولة لإحراق القمة الأوروبية الصينية

5
4
4

الإعلان المفاجئ للرئيس الأميركي عن فرض 30 في المئة من الرسوم الجمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي إلى بلاده، يُعد اختباراً جديداً لمرونة الخد السياسي لبروكسل مع دونالد ترامب. بيرند لانغ رئيس لجنة التجارة الدولية في البرلمان الأوروبي وصف الإعلان بأنه "وقح وصفعة على الوجه بعد أسابيع من المفاوضات". لجأ لانغ بعدها إلى تحذير الولايات المتحدة بجملةٍ علَّق فيها جرساً ضخماً "فترة الانتظار انتهت".

موسكو كان لها حصَّة أيضاً من المفاجآت الترامبية بالإعلان عن إمكانية فرض رسوم جمركية فادحة على أي دولة تشتري منها النفط والغاز. سبق ذلك تهديدها بالقصف إن هاجمت أوكرانيا. حتى الصين كان لها نصيب فقد هددها هي الأخرى بالقصف إن هاجمت تايوان. الفكرة الأساسية من هذه التهديدات التي وردت في تسريبات صوتية لحديث الرئيس الأميركي في إحدى حفلات جمع التبرعات لحملته الانتخابية عام 2024، هي الإيحاء للعالم في 2025 بأنَّه بات مجرَّد خد للولايات المتحدة.

تفسيرُ ما تقدَّم له علاقة بيوم 24 تموز (يوليو) القادم. في هذا الموعد سيزور قادة الاتحاد الأوروبي الصين للاحتفال بمرور خمسين عاماً على العلاقات الدبلوماسية بينهما. بروكسل لم تُخفِ سراً بأنَّها تولي الزيارة آمالاً كبيرة، بالتأكيد على أهمية حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ. حضور الرئيس شي ضروري لتسخين الدبلوماسية الصينية المشهورة بـ "الصبر و التطويع" بحسب كيشان رانا الذي عمل لأكثر من ثلاثة عقود في السلك الدبلوماسي الهندي.

بروكسل تُريد معالجات مُلحَّة لأزماتٍ مُزمنة مع واشنطن و موسكو. هي تجد أن ما تقوم به الأولى من إجراءاتٍ حمائية وضغطٍ مستمر من أجل رفع نسبة إنفاقها العسكري، يُضيَّق مرونتها الاقتصادية والأمنية في العالم. كما أن وجود الاتحاد الأوروبي نفسه بات مُعرَّضاً للخطر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، بعد أن أصبحت واشنطن طرفاً إضافياً فيها لا شريكاً أوروبياً. الفرنسيون ربّما كانوا الوحيدين الذين رفضوا علناً رؤية الرئيس ترامب كنمطٍ "شاذ في سياق السياسات الأميركية".

بروكسل لديها مؤشِّرات على وجود احتمالات كبيرة لانهيار القوات الأوكرانية بحلول الخريف القادم. إذاً، هي تحتاج إلى فضِّ هذا النزاع ولو بحدٍ أدنى من الاشتراطات يُساهم في بقاء وجود حقيقي للاتحاد الأوروبي. بكين تستطيع أن تكون ضامناً لحدود الطموح الجغرافي لروسيا في أوروبا. أمّا بالنسبة إلى روسيا فالصين لديها فُرصة في إقناع بروكسل بالتخلي عن فكرة ضمِّ أوكرانيا أو على الأقل ضم "أوكرانيا غير مفيدة" للناتو.

الولايات المتحدة التي تُبالغ في استعراض قوتها كقطبٍ أوحد في السياسات العالمية، تُريد إنقاذ الجزء الأكبر من نفوذها العالمي قبل عملية الانتقال إلى نظامٍ مُتعدد الأقطاب. هي وجدت كما يبدو في حرب التعريفات الجمركية قُنبلة دُخانية ممتازة. لذا فإن إقناع بروكسل بأن ما يقوم به ترامب من فرض رسوم جمركية لا يستهدف سوى معالجة الخلل في الميزان التجاري معها، أصبح أمراً مشكوكاً فيه. الفائض التجاري الأوروبي مع الولايات المتحدة تبلغ قيمته 48 مليار يورو فقط، كما أن نسبة الضرائب الإجمالية بينهما لا تتجاوز الواحد بالمئة.

الخطوط العريضة لأداء الولايات المتحدة مع بكين، موسكو، وبروكسل يُخبرنا بأنها تريد الحصول على وقتٍ إضافي، لأمركة كاملة لصناعة أشباه الموصِّلات والشرائح الإلكترونية الدقيقة، وإيجاد مصادر للمعادن النادرة بعيداً عن الصين والتي ترى أفريقيا مصدراً واعداً لها. بقاء الاتحاد الأوروبي موحَّداً وسط ذلك لا يهمها كثيراً، أو بالأحرى أن هناك "أوروبات" عديدة تستطيع تعويض بروكسل الحالية. تحدثتُ عن ذلك في مقال سابق "نتائج زيارة بلينكن لبكين: "أوروبات جديدة" ونظام عالمي قديم"

لا تستطيع بروكسل وبسبب فرق مصداقية الأداء بين واشنطن وبكين، إلَّا أن تصغي ببعض الثقة وكثيرٍ من الحذر للتعهد الذي ذكره الرئيس شي في قمة بالي الإندونيسية، مع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، مختصرهُ المفيد لسياق الطرح "حماية النظام الدولي الذي تُمثِّلُه الأمم المتحدة في جوهرها والمدعوم بالقانون الدولي. ولا نيَّة لدينا بتغييره".

قضايا "مكافحة الإغراق" التي تحصل بين بروكسل وبكين، أراها مجرَّد حوارات تحت الطاولة الأميركية. كان آخرها قضية البراندي التي حُكِم فيها لصالح مجموعة من المنتجين الأوروبيين. الصين جاهدة في إقناع بروكسل بالتالي "نأمل أن يدرك الاتحاد الأوروبي أن ما يحتاج إلى إعادة توازن هو عقلية الاتحاد الأوروبي وليس العلاقات الاقتصادية بين الصين والاتحاد الأوروبي".

السياسة الأميركية الثابتة والتي لا تتقلَّب إلَّا على لسان ترامب، تثبتُ الوصف الطريف الذي أطلقهُ هيوبرت فيدرين وهو وزير خارجية فرنسي أسبق على العلاقات الفرنسية الأميركية "حلفاء لكن غير متحالفين". انطباقُ ذلك الوصف على جميع الـ"أوروبات" مسألة فيها نظر، لكن الاختبار المُلح الذي تعيشهُ بروكسل اليوم، يستحق مقولة كورنيليو بيفاريو الجنرال الروماني – رومانيا الحالية – بعد التصرُّف بأصلها الذي يعود لـ زبيغينيو بريجنسكي: "الجيوبولتيك لا يغفر الجهل ولا يعطي جائزة للتردد".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.