: آخر تحديث

الدفاع والغذاء والدواء.. والبقاء

7
6
5

من التداعيات أو التأثيرات الأخيرة والخطيرة للذكاء الاصطناعي أن قدرتنا على التحكم في حياتنا، ومنها حريتنا في التفكير واتخاذ القرار والتحرك وغيرها الكثير جدا، اصبحت بيد الغير وليس بيدنا، ففي كل يوم نفقد شيئا من حرية اتخاذ القرار في حياتنا، ويوما عن يوم نصبح أكثر وأكثر تحت سلطة ونفوذ مؤثرات خارجية مستجدة، وفي صباح كل يوم تزداد عبوديتنا لما نراه، أو بالأحرى ما ينشر على وسائل التواصل، حتى لو لم نكن نقرأ تلك الرسائل أو لا نكترث لها، فقرار التحكم في مصيرنا، كأفراد وشعوب، خرج من أيدي الحكومات، وخاصة الصغيرة والفقيرة منها، ليد جهات هائلة الثراء والقوة وتمثل، بحجمها وسطوتها، عدة دول مجتمعة، ويصعب تخيل كيفية التخلص منها، بالرغم من ان الإنسان العاقل عاش لعشرات آلاف السنين من غير أن يتخيل وجودها، دع عنك معرفته بها!

كان وراء غالبية التحولات العظمى في تاريخ البشر أفراد كالرسل والقادة والحكام، والعسكريين، أو الاباطرة والبابوات، وكبار المكتشفين والمخترعين، والفلاسفة والأدباء، وفجأة خرجت الأمور من يد هؤلاء أيضا واصبحنا جميعا، بدرجة أو بأخرى، خاضعين تماما، فورا أو بالتدريج، شئنا أم ابينا، للذكاء الاصطناعي، أو بالأحرى لآلات أو روبوتات تقوم بنقلنا من نقطة لأخرى، وتحركنا وتجري لنا مختلف العمليات، الجراحية منها أو النقل أو الكتابة أو الرسم أو البناء، أو غير ذلك، مع التحكم في كل شاردة وواردة في حياتنا، ولا فكاك لمن يريد التخلص من سطوتها بغير هجرة المجتمع والعيش فوق قمم الجبال أو بعيدا في الصحارى أو الغابات، وهذا ما سيقوم به بعض الرافضين لنمط الحياة القادمة، في المستقبل القريب.

مثل هذه التغيرات، التي عززت من احتمالاتها وصول القيادة الأمريكية الجديدة لسدة حكم أعتى وأقوى الأنظمة التي عرفتها البشرية، ماديا واقتصاديا وعسكريا، ستضغط باتجاه تجاهل القيم والمعايير التي طالما كافحت البشرية لترسيخها، مثل حقوق الإنسان، والعدالة والديموقراطية والانفتاح الاقتصادي، ومختلف صنوف الحريات، إضافة للتآخي الكوني، من خلال منظمات عالمية، التي بدأت مؤخرا تفقد أهميتها و زخمها القديم، لتصبح الأمم المتحدة، ومجلس الأمن كيانات مشابهة لجامعة الدول العربية، في ضعفها وقلة أهميتها. فقد شهد العالم، وربما للمرة الأخيرة، كيف وقفت امريكا، قبل 4 سنوات تقريبا، نيابة عن البشرية جمعاء، أمام اجتياح وباء الكورونا للأرض، وصرفت عشرات المليارات لاكتشاف وإنتاج تريليونات اللقاحات المضادة، ولكن ذلك كان زمنا ربما ولى، وإن اجتاح وباء آخر العالم، وهو احتمال وارد، فلن تكون أمريكا هذه المرة هي المبادرة للتصدي له، بل يتعين على كل دولة تدبير أمورها.

أمريكا ترامب، وغالبا سيستمر نهجه مع نائبه فانس، عندما يأتي دوره، فلن تلبّي طلبات المساعدة من أية دولة إلا وفق مصالحها، وقبل اي اعتبار آخر، لذا ألغت إدارة ترامب أكثر من %80 من المساعدات الأمريكية الخارجية USAID للدول الفقيرة.

كما أدركت أوروبا، قبل غيرها، أن الطلاق الأمريكي معها، ومع العالم قادم لا محالة، وإن عليها، كما الحال مع البقية، الاعتماد على نفسها، في الدفاع والغذاء والبقاء، وإن وجدت اتفاقيات فستكون غالبا ثنائية، وقابلة للإلغاء، خاصة من الطرف الأقوى، ولن تكون هناك جهات يمكن أن تفرضها، مع فقد الأمم المتحدة ومنظماتها الأخرى زخمها، مع استمرار بقاء أمريكا المحج لكل الباحثين عن الأمن والطعام والبقاء، وغالبا بمقابل ضخم، خاصة بعد أن أصبحت الكتل الأخرى، كأوروبا وروسيا والصين، مثقلة بمشاكلها.

أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد