: آخر تحديث

إلى حرب عالمية.. ثالثة

10
8
7

كتب العالم ألبرت آينشتاين ذات مرة: «لا أعلم بما سنقاتل به في الحرب العالمية الثالثة، لكني أضمن لكم أن الحرب العالمية الرابعة سنقاتل فيها باستخدام العصا والحجارة»، جاء ذلك في مقالة نشرت عام 1949.


كُتبت تلك المقالة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 حيث انتهت «بصدمة» سلاح جديد قادر على تدمير هائل ومرعب.. قالوا اسمه «القنبلة النووية» قنبلة وحشية.. سقطت بالمظلة الساعة 8.15 صباحاً وحين وصلت إلى ارتفاع 600 متر من الأرض وقع انفجار (مُدمر) وانبعث وميض هائل فيما انتشر الخراب الرهيب ليدمر مدينة كاملة.. كانت «هيروشيما» حينها تعيش حياتها العادية وحين انفجرت القنبلة الأمريكية الصنع والأولى في التاريخ تبخر الآلاف من السكان على الفور من دون أن يتركوا أثراً، سارعت قاذفات القنابل إلى الابتعاد عن مركز الزلازل الرهيب ولم تعد تُرى المدينة على الإطلاق.. سرعان ما انتشر خبر ذلك السلاح الجديد.. صُدم العالم وانتهت الحرب لصالح أمريكا.
في المقابل فهم الجميع الرسالة، فتلك القنبلة لم تكن فقط رسالة لليابان، بل لكل البلدان بما فيهم الحلفاء.. لتقول: إنهم اليوم أمام قوة قادرة على تدمير شامل لم تشهده البشرية من قبل. تباهت حينها أمريكا بقوتها وبسلاحها الجديد المُرعب لتتحدى العالم وترسخ مكانتها القوة العظمى الأولى عالمياً.
سكتت الدول الكبرى آنذاك لكنها عملت على تجنيد جواسيس المعلومات ودفعت بسخاء فكان العام 1949 عالم إعلان الاتحاد السوفييتي رسمياً نفسه ثاني «أمة نووية» وبحسب وثائق المخابرات المركزية «سي أي ايه» فإن التجربة السوفييتية فاجأت الحكومات الغربية ولم يكن الأمريكيون يعتقدون أن السوفييت قادرون على إنتاج قنبلة نووية قبل عام 1953. وبعدها كرت السبحة.. الصين، فرنسا، بريطانيا، باكستان، الهند، إسرائيل.. وكوريا الشمالية ولا يزال أكثر من نصف سكان العالم يعيشون إما في بلدان تمتلك أسلحة نووية أو في دول أعضاء في تحالفات نووية. ومن هنا قامت الدول التي باتت تخاف من حرب عالمية ثالثة قد تدمر العالم كله بوضع قوانين حماية ومراقبة وحظر على وصول تلك المعلومات إلى دول تُصنف إرهابية.. أدى ذلك الخوف إلى فترة طويلة من التنافس البارد على امتلاك أسلحة جديدة وفتاكة ولكن من دون استعمالها خوفاً من حرب عالمية ثالثة ستكون مُدمرة للجميع.
يعود الخوف اليوم مجدداً ونحن أمام حروب إقليمية قد لا تكون جديدة لكن الجديد فيها ظهور أسلحة فتاكة لا تقل أذى بخبثها على القنبلة التي صدمت العالم، نعم اليوم العالم يعيش صدمة «أسلحة الذكاء الاصطناعي» والذي يستحق أن نتوقف ونفهم أسرار هذا القاتل الجديد، على غرار البارود والقنبلة النووية يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على إحداث ثورة في الحروب. خاصة وأن القمة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لم تستفرعن أي اتفاق.. وتفاقم الخوف مع دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض وذلك الضوء الأخضر الذي منحه مُعلناً أن لا قوانين ولا حظر أمام تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في كل المجالات، مُتجاهلاً المُناشدات من العلماء لمراقبة هذا التطور ومخاوفهم من قدرة الأسلحة الذكية على التسبب بدمار لم يسبق له مثيل، خاصة في غياب قوانين تردع أو تحمي أو على الأقل تُراقب جواسيس المعلومات التي تُسرب مُقابل مبالغ سخية جداً..
بينما يقول المُراقبون: إن بكين تستثمر بشكل هائل في أسلحة الذكاء الاصطناعي لدرجة أنها قد تتمكن
من تغيير ميزان القوى في العالم وسيكون لذلك آثاره العميقة على النظام العالمي الذي هيمنت عليه أمريكا لفترة طويلة.
لا بد من الاعتراف أن ما شهده العالم في حرب غزة ولبنان وسوريا يؤكد أن التعاون الذي حصل بين وادي السليكون في كاليفورنيا والبنتاغون يبدو واضحاً في «صدمة» استخدام البيانات والمُسيرات التجسسية على تحديد أهداف واغتيالات مدعومة بقنابل «ميني نووية» قادرة على اختراق الأنفاق وإلحاق أكبر الأذى بالخصم من حيث لم يحتسب، هذه التقنية نفسها قادرة على استهداف أي شخصية في العالم مهما كان مُحصناً.. وقادرة على تدمير القيادات في أي جيش في العالم.. نعم قد تكون هذه الرسالة موجهه إلى البلدان التي تحاربها لكنها أيضاً رسالة موجهة للعالم كله أنه اليوم كما عام 1945 أمام قوة لا سابق لها.. تملكها جهة واحدة وهي الوحيدة التي يحق لها أن تفرض شروطها كيفما تشاء..
ولكن اليوم يختلف عن الأمس نحن في زمن السرعة والأسرار التي كانت تأخذ وقتاً طويلاً للانتشار.. تذاع وتباع أسرع والدول تدفع بسخاء.. صحوة التطور في أسلحة الذكاء الاصطناعي تتم بصمت في أكثر الدول التي ما زالت تعتبر نفسها دولاً عظمى.. تعمل وتسعى بصمت كي تتمكن منها وتستعد لتعلن امتلاكها لكل تلك التقنيات.. وما أكثر بائعي المعلومات والهاكرز القادرين على اختراق البيانات وما أوسع الفضاء..
من حق الدول أن تمتلك أسلحة تحميها، لكن هذا التنافس الأعمى إن لم يتم ضبطه بقوانين دولية سنكون أمام اتجاه واحد يقود إلى.. الحرب العالمية الثالثة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد