في لهفة لشهر أكتوبر القادم، يترقب صديقي «أحمد» هذا الشهر ليس انتظارًا لراتب، ولا لعطلة سنوية، بل انتظار لانطلاق موسم الرياض، اللحظة التي تحوّل شقته الصغيرة التي استأجرها ليستثمر بها بالاستفادة من التطبيقات الذكية في الحي المجاور لبوليفارد ليكون مشروعه «الرابح» الذي يساعده مادياً!
أحمد، شاب سعودي بدأ قبل عام مشروعًا بسيطًا بتأجير شقة مفروشة عبر التطبيقات، يستأجرها منه ضيوف من ألمانيا وأميركا ودول متعددة خلال السنة، وهي خلال العام قد لا تغطي تكاليفها، ولكن مع انطلاق الموسم، كل شيء يتغير، نسبة الإشغال تصل إلى 90 ٪، الأسعار ترتفع 30 ٪، والطلب مستمر، فأصبح الموسم بالنسبة له بمثابة «الميزانية المصغّرة» والأرباح التي يعوّل عليها لتغطية مصاريف العام كله، وما عمله موسم الرياض مع أحمد، عمله مع عشرات الآلاف من الشباب والمشاريع الصغيرة، وربما الأهم، عمله مع اقتصاد مدينة كاملة.
فحين انطلق موسم الرياض في نسخته الأولى، كثيرون ظنوا وأنا منهم، أنه موجة مؤقتة، أو فعالية ترفيهية عابرة، لكن الواقع أثبت أن الموسم، بما فيه من تنوع واستمرارية واستقطاب جماهيري، تحوّل إلى أداة تنشيط اقتصادي بامتياز، ففي نسخته الأخيرة، تخطى عدد زوار موسم الرياض 20 مليون زائر، وفق ما أعلنه رئيس الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ.
أما على المستوى الأوسع، فقد ارتفع الإنفاق السياحي في المملكة خلال 2024م أكثر من 11 % بالمقارنة بعام 2023م، بحسب مجلس السياحة العالمي، وسط توقعات ببلوغ القطاع السياحي أكثر من 3.6 ملايين وظيفة بحلول عام 2034، وهذه الأرقام لا تُصنع بالعروض الترفيهية والفنية فقط، بل تُبنى على رؤية اقتصادية واضحة، تعرف أن الترفيه لم يعد ترفًا بل استثمار.
وحسب الإعلان الأخير لمعالي المستشار عن جديد موسم الرياض 2025، نجد أننا لن نتوقف عند محطة تكرار النجاح، بل سيرتفع سقف المفاجآت، ويعيد الموسم الجديد رسم خريطة الترفيه، مع تعزيز حضور المسرح والمحتوى الموسيقي بحضور عالمي، لتكون الرياض مرآة الفن وبمقاييس عالمية.
وهنا أجدني أمام اقتراح وفكرة تتناسب مع ضخامة التفاعل والحضور الذي تشهده الرياض بداية من أكتوبر، بأن يتم إطلاق مبادرة اقتصادية تتمثل بـ»موسم تخفيضات سعودي» متزامن مع موسم الرياض؟ ستساهم هذه الفكرة رغم بساطتها بتحفيز الإنفاق داخل السوق المحلي، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفرصة ربط عروض الشراء بتذاكر الفعاليات، وضبط الأسعار خلال ذروة الموسم لتخفيف الأعباء عن الزائر والمستهلك، مما يجعلنا وبنظام مؤسسي ومنظم نخلق منظومة اقتصادية متكاملة تُشجع على الشراء الواعي، وتخلق رواجًا تجاريًا يتماشى مع الزخم الترفيهي.
قصة أحمد بالنسبة لي مدهشة، لأنها أكدت أن موسم الرياض تحول بلغة الأرقام من «حدث» إلى «استثمار اقتصادي»، ومن مجرد «فعالية ترفيهية» إلى «محرّك للتنمية».