عبدالرحمن الحبيب
في خضمّ عاصفة الشهر الأول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، سعى المحللون والمسؤولون والدبلوماسيون جاهدين لفهم هواجس الرئيس الأمريكي العائد المتشتتة والغريبة في كثير من الأحيان في السياسة الخارجية، إنما ثمة وجود هدف رئيسي واحد واضح ومتكرر في أجندة ترامب الخارجية، حسبما كتبت المحررة كريستينا لو من مجلة فورين بوليسي موضحة أن «أجندة ترامب الفوضوية لها خط محوري حاسم وهو القاسم المشترك فيما طُرح عن: ضم كندا إلى الولايات المتحدة؛ الاستيلاء على غرينلاند؛ الاستيلاء على قناة بنما؛ السيطرة على الموارد الطبيعية لأوكرانيا»، مؤكدة أن هذا الهدف هو «إمكانية الوصول إلى سلاسل توريد المعادن الأساسية بدون الصين.».
المعادن الأساسية، التي تشمل الليثيوم والمغناطيس الدائم والعناصر الأرضية النادرة، تدعم قطاعي الطاقة والدفاع، وهناك سباق دولي على هذه المواد التي تُشكل أساس التكنولوجيا الجديدة، فهي ضرورية لتقنيات الطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية وتطبيقات الدفاع، بداية من الرقائق الصغيرة إلى توربينات الرياح وطائرات إف 35 المقاتلة؛ ومن المتوقع حالياً، في ظل سيناريو صافي الانبعاثات الصفري والحاجة للمعادن الأساسية التي تُغذي الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي وغيرها الكثير، أن يتضاعف الطلب على هذه المواد ثلاثة أضعاف تقريبًا بحلول عام 2030 (جيسيكا أنانيا، معهد جورج تاون).
الولايات المتحدة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الصين في هذه الموارد في الوقت الحالي، ولكن ما مدى قوة ورقة الصين في مجال المعادن النادرة؟ ترى كريستينا أن الصين نجحت في ترسيخ مكانتها لتصبح قوة عالمية في مجال المعادن النادرة على مدى عقود من الزمن، وهي اليوم تُسيطر على حوالي 85% من عمليات المعالجة وأكثر من 90 % من إنتاج المغناطيس؛ وعندما شن الرئيس الأمريكي ترامب حربه التجارية في أبريل، ردّت بكين مستغلةً خنقها للمعادن النادرة، مما أجبر المسؤولين الأمريكيين في النهاية على الجلوس على طاولة المفاوضات.
إنما هل يمكن لتكتيكات إدارة ترامب أن تُخفف بالفعل من قبضة الصين الخانقة على سلاسل توريد المعادن الأساسية؟ وإلى أي مدى سيعزز تخزين هذه الموارد الأمن القومي الأمريكي؟ يجيب باتريك شرودر، الباحث في معهد تشاتام هاوس: «يبدو أن التوترات الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين بشأن صادرات المعادن النادرة قد خفت حدتها في أعقاب اتفاقية تجارية جديدة تم توقيعها الشهر الماضي، لكن هذا الاختراق الدبلوماسي لا يقدم سوى راحة مؤقتة في سوق متزايدة التقلب، فالتحديات الهيكلية الأعمق واضحة: الافتقار إلى حوكمة دولية قوية والتنسيق عبر سلاسل قيمة المواد الخام الحيوية، حيث تؤكد الأحداث السابقة على هذه المشكلة؛ فمثلاً في أبريل، ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أوكرانيا لإبرام صفقة معادن مهمة من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى الموارد المعدنية الأوكرانية كشرط لاستمرار الدعم العسكري؛ كما أدلى ترامب مرارًا وتكرارًا بادعاءات استفزازية حول الاستحواذ على جرينلاند («نحن بحاجة ماسة إلى جرينلاند»)، ولم يستبعد استخدام القوة العسكرية، مدفوعة جزئيًا بالموارد المعدنية الهائلة غير المستغلة في جرينلاند.»
الاتفاق الأخير الذي أبرمته إدارة ترامب مع أوكرانيا في صفقة المعادن يؤكد تصاعد التنافس الدولي على هيمنة المعادن الأرضية النادرة والحيوية، إنما توفير معادن أوكرانيا لن تحل مشاكل سلسلة التوريد الأمريكية لأن حقائق السوق ستعيق خطط ترامب حسب البروفيسور جوشوا بوسبي (جامعة تكساس).
في ظل السباق الدولي على هذه المواد، يُجري الاتحاد الأوروبي تحولاً كبيراً في نهجه تجاه أمن الموارد، مُستعداً لإطلاق برنامج استراتيجي لتخزين المعادن الأساسية، لكن تخزين الدول الغنية للمعادن الأساسية ليس خطةً واردة حسب الباحث شرودر موضحاً أنه في خضم التوترات والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة، تُشير استراتيجية التخزين الجديدة للاتحاد الأوروبي، التي نشرتها صحيفة فاينانشال تايمز لأول مرة نهاية الأسبوع الماضي، إلى نية بروكسل الحد من نقاط الضعف في إمدادات المواد الخام والمكونات الرئيسية، مثل المعادن النادرة والليثيوم والمغناطيس الدائم.
ويؤكد شرودر أن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية سبقت الاتحاد الأوروبي في تبنى مثل هذه التدابير منذ فترة طويلة بمخزونات وطنية، إلا أن هذه الخطوة تُؤكد على توسيع نطاق تأمين سلاسل توريد المعادن الأساسية؛ ولكن في حين أن التخزين قد يُوفر مرونةً على المدى القصير، إلا أنه يعكس استجابةً أحادية الجانب إلى حد كبير لتحدٍّ عالمي أوسع، فبدون تعاون متعدد الأطراف أقوى، فإن مثل هذه الاستراتيجيات تُخاطر بتفاقم المنافسة على الموارد وتقويض الجهود المبذولة لضمان الوصول العادل والمنصف إلى المواد اللازمة للتحول العالمي في مجال الطاقة.
الخلاصة أن سلاسل توريد المعادن الحيوية تُعدّ حالياً بالغة الأهمية للتحول في مجال الطاقة والتقنيات الحديثة الأخرى، إلا أنها تواجه تحديات ناجمة عن تركزها في مناطق جغرافية محدودة والمخاطر الجيوسياسية والاعتبارات البيئية؛ مما يتطلب بناء سلاسل توريد معادن حيوية مرنة ومستدامة عبر نهج متعدد الجوانب، يشمل تنويع مصادرها، وتعزيز القدرات المحلية، وتشجيع ممارسات التعدين المسؤولة؛ فهل تنجح خطط إدارة ترامب في توفير تلك المعادن الضرورية دون الحاجة للصين أو على الأقل تخفيف اعتمادها على الصين؟ هذا ما ستجيب عليه الفترة القادمة.