سهوب بغدادي
نمضي حياتنا في اختبار التجارب والدروس المختلفة، فبعضها يمر بشكل سلمي والبعض الآخر يترك علامة فارقة بداخلنا، وكل ذلك بهدف الوصول إلى أقصى مراحل الفهم والوعي «الحكمة» فيقال رجلٌ حكيم، أي يمتلك عمقًا في التفكير، ويبرع في التأمل في قدرات الذات، ويعرف البدائل والقياس في المواقف المختلفة، دون الخلط بين الحكمة والذكاء، إذ يمكن أن يكون المرء ذكيًا دون أن يكون حكيمًا بالضرورة، والتجربة أمثل وسيلة مؤدية للحكمة، أيضًا، قد تكون الحكمة على هيئة هبة ربانية مصداقًا لقوله تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ).
في هذا السياق، استوقفني حديث أحد رجال الأعمال الأمريكيين عند تأكيده أن خلاصة النجاح في مجال المال والأعمال تتمثل في: «اقطع وعودًا متأخرة وقم بالتسليم مبكرًا، تعلّم بسرعة وثق ببطء، راهن بقوة واختبر على مهل، اعط أولًا واطلب أخيرًا، تجاهل الآراء وخذ بالحقائق، روج على الدوام ولا تذم على الإطلاق، تجاهل المشككين وثق في نفسك، واصل على الدوام ولا تتوقف بتاتًا» بالتأكيد، قد تطبق القواعد الآنف ذكرها على نواحٍ أخرى حياتية، والأهم أن الحكمة قد تكون صفة مطلقة لشخص ونقيضها، فهناك من يتسم بالحكمة في أغلب إطارات الحياة ككبار السن والمعمرين، وهناك من يمتلك الحكمة في زاوية محددة أو مسألة ما، على سبيل المثال لا الحصر: إجابات الأطفال التي تتميز بالبساطة وتسطيح المسائل، فبعض الحكمة يكمن أحيانًا خلف البساطة وبعضها الآخر يتأتى من تراكب وتراكم الخبرات والمواقف والقياس عليها وما شابهها، فلا يعلم الشخص أين يجدها حين بحثه عنها، ولا يدري كيف يكتسبها وينالها لنفسه خالصة، قد تكون حكيمًا في لحظة أو موقف أو عبارة أو كلمة، أو حتى في صمتك، وقد تنعكس الحكمة من أصغر المخلوقات وأكثرها ضعفًا، لذا سنمضي حياتنا باحثين ومتأملين لخلق الله وفي خلقه جل جلاله.
«لا تخلط بين المعرفة والحكمة، فواحدة تساعدك على كسب العيش، والأخرى تساعدك على تشكيل حياة» - ساندرا كاري.