: آخر تحديث

كرة القدم قبل القبيلة؟!

5
6
4

التعصب القبلي والمناطقي في مختلف الوسائل سلوك مرفوض، وغير حضاري أيضاً، لكن نجد حضارة ومدنية نتلمّس ملامحها على مجتمعنا تجعلنا أكثر تفاؤلاً بتجاوز تلك الأعراف البالية؛ فلذلك نلحظ أن هذا التعصب قد خفت وطأته مقارنة بالتعصب الكروي المتزايد حد الإزعاج المستمر وتجاوز الخطوط الحمراء؟!

نقول إن الهوس بكرة القدم جعل أولئك المتغنين بالعرق أو القبيلة أقل حضوراً.. بل إنهم قد ألحقوهم بركابهم الكروي فحضن النادي أصبح أكثر دفئاً وإثارة وفق اعتبارات تجعله أكثر اقتراباً من بعضه البعض وإن كان في مجمله يجعله يزداد انقساماً وكرهاً لمخالفيه في التشجيع.

في كرة القدم من الجنون والتعلق الكثير حتى إن هناك من يتفرغ لملاحقة فريقه المفضل، وهم ليسوا قليلاً.. ويكفي من الهوس ما تشاهده بعد المباريات بين الفائز والخاسر.. وكأن الأول كسب الدنيا.. والآخر في مأتم.. وهنا حق لي أن أستعيد تصريحاً شهيراً ما زال عالقاً بذهني للحكم الإيطالي الشهير كولينا الذي قاد نهائي دوري أبطال أوروبا 1999 بين مانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ على ملعب كامب نو برشلونة، وفيها استمر الفريق الألماني متقدماً حتى الدقيقة 90 قبل أن ينجح الفريق الإنجليزي في قلب تأخره لفوز في دقيقتين في مباراة مجنونة يقول كولينا: "كانت آخر دقيقتين، أكثر دقيقتين مجنونتين شهدتها في حياتي رأيت لاعبي البايرن في مقاعد البدلاء يستعدون للاحتفال بجنون، الجماهير سعيدة في الملعب بتتويج فريقهم باللقب، فجأة سجل مانشستر هدفين في دقيقتين وقلبوا النتيجة".. وتابع كولينا: "لن أنسى أبداً كيف كانت مدرجات الإنجليز تعج بضجيج أصوات ناقمة، وفجأة تحولت وكأنها أسود تزأر، مقابل صمت جنائزي في مدرجات البايرن، احتفل اللاعبون الإنجليز وجماهيرهم بهدفهم الثاني بشكل هستيري، مقابل تساقط بلا وعي للاعبي الألمان، اقتربت من أحدهم وقلت له، انهضوا وقاتلوا ما زال لديكم 20 ثانية!!". في تلك اللحظة رأيت الوجه الحقيقي لكرة القدم، الموت والحياة في ملعب واحد.. أناس يحتفلون بجنون، وأناس يائسون حتى الموت!".

قصة كولينا نشاهدها كثيرًا في ملاعب كرة القدم وهي تعطي التصور الأمثل عن واقع كرة القدم والعشق العظيم لها وبما جعل درجة التعصب ترتفع حد أن لم يعد بإمكان أحد ضبطها.. حتى وإن قاومت المحاكم كثيراً من تصرفاتها إلا أن سيلها الجارف مستمر.. ونقول من حقك أن تحب فريقك.. حتى وإن تعصبت له دون المساس بشرف وحقوق الآخرين.. والأهم أن لا يصل الأمر منتخب الوطن، وجعله ميداناً لبث سموم التعصب فيه، وهنا المصيب أن ليست المشكلة في الجماهير بل إن شدتها من الإعلام الخائب الذي يبحث عن المثالب، وكل ما يضر منتخب بلاده.. ليس إلا لأن للمنافس عدداً أكبر فيه.

خلاصة القول: إنه حينما لا تستطيع المؤسسات الإعلامية ضبط المنتمين لها فتلك مصيبة عظيمة. وعلى هذا المنوال جدير أن نقول إن ما نجده في مجتمعنا الكروي تعصباً مختلفاً وضرره شديد. ولعمري إنه تجاوز كل أنواع التعصب المذكورة أعلاه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد