أحمد محمد الشحي
إن من أهم ما تحتاج إليه المجتمعات في أي بقعة كانت لتعيش بسعادة وهناء هي أن تتمتع بالأمان والاستقرار، فالاستقرار نعمة عظمى ومنة إلهية كبرى، وهي من أهم المقاصد التي يبحث عنها الإنسان، ويسعى لاستدامتها في حياته وواقعه.
فإذا ظفر بها كانت من أعظم المكاسب التي يجب أن يحافظ عليها، ويعض عليها بالنواجذ، ويتخذ كافة الأسباب التي تعينه على ديمومتها، وذلك لما للاستقرار من أهمية كبرى في حياة الأفراد والمجتمعات والأوطان.
فهو الأساس الذي تقوم عليه مختلف جوانب الحياة الإنسانية، وهو ضمان لرفاهية الأفراد، وتحصين الأوطان من المخاطر والتحديات، وتحقيق التنمية المستدامة فيها، بما يلبي احتياجات وتطلعات أجيال الحاضر والمستقبل.
والمجتمعات التي تفتقر إلى الاستقرار تعيش في حالة من الفوضى والاضطرابات، والتي تنعكس على جميع أوجه الحياة فيها، فهي تعاني بالضرورة من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة والمظالم وتفكك نسيجها الاجتماعي.
ومن أسوأ مسببات هذه الحالة الإنسانية المزرية النزاعات الداخلية والصراعات الطائفية والحروب العدوانية التي تقوم على التنافس على السلطة والرغبة في السيطرة والتكالب على الأطماع والثروات وإرواء الكراهية والأحقاد، وفي سبيل ذلك تسيل أنهار الدماء، ويستباح الإنسان في نفسه وأهله وماله، وتضعف الأوطان، وتنعدم قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية أو الخارجية، وتصبح مطمعاً لكل طامع وحاقد.
إن العمل على استقرار المجتمعات مسؤولية مشتركة عليا يتعاون فيها الحكام والمحكومون، فكل طرف من أطراف المجتمع له دور مهم في الحفاظ على هذا الاستقرار وتعزيزه، الحكام باعتبارهم المسؤولين عن صنع السياسات واتخاذ القرارات والعمل على رفاهية شعوبهم وإسعادهم.
فهم يتحملون عبئاً كبيراً في ضمان توفير بيئة مستقرة وآمنة وسعيدة لهم، وفي المقابل يتحمل الأفراد والمجتمعات مسؤولية دعم تلك السياسات والاصطفاف مع حكامهم فيما فيه رفعة أوطانهم والعمل على تعزيز القيم الاجتماعية التي تسهم في تقوية نسيجهم المجتمعي.
ومن أهم ما يعين على استقرار المجتمعات إيمان الجميع بالمصالح العليا للوطن، وتغليبها على أي مصالح ضيقة لطائفة أو حزب أو تيار، والاجتماع تحت راية الوطن بعيداً عن الانتماءات الحزبية.
فالوطن هو البيت الذي يجمع جميع الأطياف، والكل فيه كالأسرة الواحدة، التي ينبغي أن يتعاون أفرادها على رفعة هذا الوطن وازدهاره واستقراره، فتتوحد الرؤى والجهود، وتجتمع السواعد على البناء وفق رؤية واحدة مشتركة، فلا تنازع ولا تفرق ولا اختلاف، فيكون الصف حينئذ واحداً، والبيت متعاوناً متوحداً.
ومن أهم مقومات ترسيخ الاستقرار تعزيز قيم المواطنة الصالحة في المجتمع، والتي تقوم على الاحترام المتبادل بين مختلف الأطياف، والتحلي بالمعاملة الراقية فيما بينهم بالتي هي أحسن، وإرساء دعائم العدل والفضل والإحسان، وإعطاء كل ذي حق حقه دون بخس أو عدوان.
وإحلال التحاور لا التناحر، والتفاهم لا التصادم، والتسامح والتراحم لا الانتقام، وأن يحب كل فرد الخير للجميع، ما يعزز من تماسك المجتمع، وتقوية روابطه، وتعزيز تعاونه المشترك ضد أي تحد أو تهديد، وتحصينه من النزاعات الداخلية والعنف والاقتتال.
ولا يدوم الاستقرار بطبيعة الحال إلا باتصاف الأفراد بنقاء الأفكار، وسلامة التوجهات، والتحلي بالوسطية والاعتدال والثقافة الإيجابية والوعي الرشيد، فالأفكار السليمة والتوجهات الرشيدة أساس مهم لاستدامة استقرار المجتمعات، فلا يكون للتطرف مكان، ولا للطائفية موضع قدم، ولا للتعصب صوت ولا منبر، فكم جنت التيارات المتطرفة على المجتمعات، وجرت عليها الويلات، وسلبتها الاستقرار والأمان.
ومن واجب كل شاب وشابة أن يجعلا الحق قبلتهما، والصواب غايتهما، فلا يقودهما الحماس للانخداع بالأفكار المتطرفة أو الاغترار بتياراتها مهما رفعت من شعارات براقة.
ومن ذلك كذلك صفاء القلوب، ونقاء السريرة، فلا تحاسد ولا تباغض، ولا تكبر ولا استعلاء، فإن الحسد سبب للبغضاء، وإن الكبر سبب لرفض الحق واستحقار الناس، وبصفاء القلوب والعقول تسمو المجتمعات، وتنهض لما فيه خيرها وسعادتها.
إن استقرار المجتمعات مصلحة إنسانية عليا، تحقق الخير والحياة الكريمة للجميع، وإن العمل على تعزيزها مطلب ضروري، تستدعي تكاتف الجهود المشتركة، والتحلي بأرقى القيم الحضارية، بما يسهم في خلق عالم أفضل وحياة مثلى لكل من يعيش على هذه البسيطة.