بعد وقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل وتحديد شارع الرشيد الساحلي كطريق لعودة سكان شمال غزة بعد تهجير إجباري استمر 15 شهراً، تدفق عشرات الآلاف من سكان شمال غزة إلى منطقتهم المدمرة كلياً.
ومع عودة المهجرين إلى منازلهم التي سُوِّيت بالأرض بفعل الحرب التي دارت بين حركة حماس، التي استخدمتهم كدروع بشرية، وإسرائيل، التي تعد مثالاً للإجرام والوحشية بعدوانها اللامحدود الذي لا يفرق بين أهداف عسكرية ومدنية، باتت العودة في هذا التوقيت مغامرة خطيرة بسبب غياب التهيئة العسكرية والمدنية في شمال القطاع.
إنَّ عودة سكان شمال غزة من دون ضمان توفر الأمن والمساكن والطرق والمستشفيات، ومع استمرار التهديدات الإسرائيلية، تشكل خطراً كبيراً. إضافة إلى ذلك، فإنَّ بقايا الأسلحة والألغام الناتجة عن المعارك في شمال غزة تُعتبر تهديداً مباشراً على حياة العائدين، لا سيما في ظل الأعداد الكبيرة مقارنةً بمساحة المنطقة الصغيرة.
حتى في حال تمكن العائدين من الوصول سالمين، فإن شمال غزة يُعد منطقة مدمرة بالكامل ومسرحاً للاشتباكات بين طرفين مستعدين لإطلاق النار في أي لحظة، مما يجعل السكان عرضة لخطر القتل أو الإصابات أو الحصار.
إقرأ أيضاً: اليمن ودماء المدنيين الرخيصة
عملية العودة بحاجة إلى تهيئة مسبقة تشمل إزالة الأنقاض بوسائل هندسية مدنية وعسكرية، مع الحذر من بقايا المتفجرات والمباني الآيلة للسقوط. كما أن انعدام المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض واستمرار الحصار الإسرائيلي يفاقمان الوضع.
التحديات الأخرى تشمل ضرورة توفير مخيمات مؤقتة تتسع للعائدين، وضمان إمدادات غذائية ومصادر مياه صالحة للشرب والطاقة الكهربائية. ومن الضروري أيضاً إنشاء مستشفيات ميدانية وفرق طبية جاهزة للاستجابة لأي طارئ في ظل الدمار الشامل للبنية التحتية الصحية.
عدم وجود خطة محكمة لنقل العائدين، سواء عبر باصات مناسبة للأفراد أو شاحنات لنقل المؤن، يزيد من خطر الحوادث والتأخير في عمليات الإغاثة. بالإضافة إلى ذلك، فإن انعدام الأمن يعرض السكان للجرائم والأمراض المعدية.
إقرأ أيضاً: قطار الرياض والتشغيل الكامل
إنَّ عودة السكان من دون تهيئة مناسبة لشمال غزة قد تُسبب كارثة إنسانية جديدة، ما يجعل ضمان العودة السليمة مسؤولية دولية. المطلوب هو تسهيل عمل فرق الإنقاذ والإغاثة وتزويدها بالمعدات اللازمة، بالإضافة إلى توفير الحماية لها من أي تهديدات.
إنَّ استعجال عودة غير آمنة قد يُكلف الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً، مثلما دفع ثمناً للحرب. المرحلة التالية الحاسمة هي إيجاد حلول سياسية ثابتة وإعادة إعمار غزة لإعادة الحياة إليها كما كانت.