: آخر تحديث

هل العراق مستعد للسيناريو التالي؟

7
7
5

من المرجح أن تذهب الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب إلى تشديد الحصار على إيران، ما يعني احتمال إيقاف الاستثناءات التي كان يحصل عليها العراق في ما يتعلق بالغاز والكهرباء الإيرانيين، بالإضافة إلى تقييدات أوسع على التعاملات التجارية مع الجانب الإيراني، ولا سيما ما تعده بعض الدوائر الأمريكية، تحايل على النظام المصرفي بما يسمح بتهريب وغسيل الأموال من قبل بعض المصارف العراقية المتهمة بالعمل لصالح إيران، بالإضافة إلى شبهات تورط شركة سومو بتهريب النفط الإيراني وبيعه بالأسواق العالمية بوثائق عراقية، وقد تكون بعض الكيانات والشخصيات السياسية العراقية في مرمى الاستهداف والحصار الأمريكي. فهل العراق مستعد لهذا السيناريو؟

مع أنَّ موضوع الحصار الأميركي على إيران، يمتد إلى ثمانينيات القرن الماضي، وعززته واشنطن عام 1995 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون بعد اتهامها بدعم ما تصفه بالإرهاب الدولي، وتضمنت الأوامر التنفيذية التي أصدرها كلينتون منع الشركات الأميركية من الاستثمار في النفط والغاز الإيرانيين والاتجار مع إيران، وأقر الكونغرس قانوناً بفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاع الطاقة الإيراني بأكثر من 20 مليون دولار في السنة، وكان تصاعد وتيرة العقوبات الأميركية والغربية على إيران، ينذر ببلوغها مرحلة صارمة، كما حدث في إدارة ترامب الأولى، لم تسع الحكومات العراقية إلى تجنب ما قد يكون السيناريو الأسوأ الذي قد تواجهه، فيما لو لم يكن بوسعها الاستغناء عن الكهرباء والغاز من إيران، وإلا واجهت مصيراً مماثلاً، وقد يكون أسوأ من المصير الذي تواجهه إيران التي استعدت لأسوأ السيناريوهات المحتملة.

مع أنَّ موضوع الكهرباء كان - وما زال - يمكن حله خلال مدة لا تتجاوز  السنتين، كما فعلت مصر حين تعاقدت مع شركة سيمنز لإنشاء ثلاث محطات لتوليد ما مجموعه 14,5 ألف ميغاواط، بكلفة إجمالية تبلغ ستة مليارات يورو، لكن لم تسع أي من الحكومات بعد 2005 إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، وبما يجنبنا خطر الوقوع ضحية التفاعلات السياسية في المنطقة، مع أنَّ مجموع المبالغ التي رُصِدت لوزارة الكهرباء للفترة من سنة 2005 ولغاية 2023 تبلغ تريليونات الدنانير، ومثلها التخصيصات المالية للنفقات التشغيلية، مقابل عدد قوى عاملة يساوي 5390 موظفاً، حيث ارتفعت عن معدلاتها للأعوام من سنة 2011 - 2016، وكانت الزيادة غير المبررة في سنة 2023 وحدها، تساوي المبلغ الذي تعاقدت به مصر مع سيمنز لإنتاج 14,5 ميغاواط خلال عامين فقط. وهذا الأمر تكرر في موازنة 2024، وسيتكرر في سنة 2025، لعدم وجود إرادة حقيقية لإنهاء هذه المشكلة، لأنها أحد أبواب الفساد التي لن يستغني عنها الفاسدون الكبار.

إقرأ أيضاً: أفضل ما يمكن أن يفعله بشار الآن

ولو ألقينا نظرة سريعة على ما يتعلق بموضوع الغاز، فسيكون الموضوع أكثر ألماً، فقد ذكرت ‏مجلة الإيكونومست البريطانية في تقرير لها نشر بتاريخ 27 آذار (مارس) 2014، أنَّ العراق يحرق غازاً طبيعياً يساوي ما تستهلكه النمسا، بينما يشتري حاجته من الغاز من إيران، "وبما أن معدلات إنتاج النفط في العراق في تزايد، فإن كميات الغاز المصاحبة لهذا الإنتاج المتزايد ستتضاعف كثيراً". ومما ذكرته المجلة البريطانية المعنية بتقارير الأعمال والسياسة والتكنولوجيا، أن "برنامج تطوير صناعة الغاز في البلاد لم يسر بسهولة كما يتمنى البعض، وأن الحكومة تريد أن تضع حداً لعملية حرق الغاز بحلول العام 2015". وبعد مرور عشرة أعوام على نشر التقرير ذاك، ما زال العراق يحرق الغاز بالوتيرة ذاتها بل في ازدياد مطّرد، والعقود الأخيرة التي وقعها مع شركات مختلفة تمتد لمدة سنوات، مع أنّ استثمار الغاز لا يتطلب أكثر من سنة واحدة حسب مختصين، وبينما يصدع بعض السياسيين رؤوسنا بشعارات "الحفاظ على السيادة"، لم يتخذوا أية خطوات لتحقيقها، لا على صعيد الاستغناء عن استيراد الكهرباء من إيران بأسعار أعلى من معدلاتها، وغالباً ما كانت عرضة للانقطاع في أوقات الذروة في الصيف، ولا في موضوع استثمار الغاز بما يغنينا عن استيراده من إيران بأسعار أعلى من المعدلات العالمية، وأعلى من العروض المقدمة من دول أخرى في المنطقة، مع الآثار السلبية الناتجة عن استمرار إحراق الغاز، حيث احتل العراق المرتبة الثانية عالمياً بتلوث الهواء مسجّلا نحو 80.1 ميكروغرام من الملوثات لكل متر مكعّب، أي أكثر بنحو 16 مرة من المستوى المحدّد من قبل منظّمة الصحّة العالميّة، أو 5 ميكروغرام لكل متر مكعب من الهواء، وارتفاع معدلات التلوث في العراق بنحو الضعف خلال عام واحد، من 49.7 في عام 2021، إلى الرقم أعلاه في عام 2022، وبينما كان العراق يحتل المرتبة العاشرة عالمياً عام 2020، في قائمة أعلى الدول تلوثاً بـ39.6 ميكروغرام من الملوثات لكل متر مكعب من الهواء، إلى المرتبة الثانية عام 2022، الذي تمظهر خلال الأشهر الماضية، بحالات اختناق وصعوبة تنفس، وانتشار رائحة كريهة في الهواء في محافظة بغداد، وظهور دراسات تؤكد عدم صلاحية محافظة البصرة -ثاني مدن العراق- للسكن والعيش في غضون العشر سنوات القادمة.

بدل أن تعي الطبقة السياسية خطورة عدم إيلائها تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن إيران وغيرها، راحت تطلب من الحكومة الأميركية استثناءها من العقوبات المفروضة على إيران كل ستة أشهر، وبدل أن يتضمن الطلب المقدم إلى الولايات المتحدة، خطاب دولة يعكس توجهاً لبناء الدولة، من خلال استبدال موضوع الاستثناء "الذي لا يتسق مع الواقع" بطلب "قيام الولايات المتحدة بمساعدة العراق باستثمار الغاز المصاحب، ودفع تكاليف التعاقدات مع الشركات الأميركية من سندات الخزانة الأميركية التي اشتراها العراق في السنوات السابقة، بدل انتظار شركات استثمارية قد لا تأتي، وأن مدة الاستثناء تعتمد على المدة الزمنية التي ستحددها سرعة إنجاز الشركات الأميركية في استثمار الغاز، وليس بطلب استثناءات بطريقة أقرب إلى التوسل".

إقرأ أيضاً: امنحوا العالم منفذاً للخروج

هل ثمة وقت أمام السلطات العراقية، لتلافي السيناريو الأسوأ؟ سنرى إلى أي مدى أخفقت هذه الطبقة السياسية، حتى في استقراء الأخطار والتحديات التي تواجه مشاريع سلطاتها، فضلاً عن إخفاقها في بناء مشروع دولة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف