: آخر تحديث

الإمارات والسلام الإيجابي التقدمي

6
7
5

جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أن الهدف من قيام المنظمة بعد حربين كونيتين هو الحفاظ على السلام والأمن العالميين. ولم تكتفِ الأمم المتحدة بالنص، بل تبنت المفهوم الإيجابي للسلام عبر إقامة العلاقات الشاملة بين الدول لاستئصال بذور العنف والحروب. ومع ذلك، استمرت ظاهرة الحروب والعنف وانتشر الإرهاب لأسباب كثيرة، أهمها مفهوم الدولة القومية التقليدي الذي يقوم على السيادة والحفاظ على المصالح القومية وتحقيق النفوذ والهيمنة، وبروز دور الفواعل من غير الدول، وخصوصًا الجماعات المتشددة وقدرتها على امتلاك الأسلحة المتطورة، وقيامها بدور الوكيل لدول القوى الإقليمية والدولية.

لا يكفي الحديث عن السلام، بل يجب على المرء الإيمان به. ولا يكفي الإيمان به، بل يجب أيضًا العمل من أجله. وكما يقول برتراند راسل: "هل يمكن للحلاق أن يحلق لنفسه إذا كان دائمًا يحلق فقط لأولئك الذين لا يحلقون لأنفسهم؟"، وهو ما يعني تجاوز مفهوم السلام السلبي إلى السلام الإيجابي الذي في جوهره قدرة الدولة والمجتمع على امتصاص الأزمات وتطوير آليات للتعامل معها، وأن يكون الناس قادرين على حل نزاعاتهم دون عنف، ويمكنهم العمل معًا لتحسين نوعية حياتهم.

منذ ستينيَّات القرن الماضي، حاول عدد من المؤلفين التمييز بين السلام السلبي والسلام الإيجابي، وأبرزهم جالتنوغ الذي عرف السلام السلبي بأنه غياب العنف المباشر، والسلام الإيجابي بغياب العنف غير المباشر بما يمكّن الأفراد من التكامل. والسلام الإيجابي يتعلق بالخير والروابط الإنسانية والقيم المشتركة والاحترام المتبادل والمساواة، وشعور قوي بالإنسانية. وبكلمتين، هو حالة حقيقية وموجودة تلمسها الشعوب التي تتبنى هذا المفهوم. والسلام الإيجابي أكثر من مجرد غياب للعنف، بل ببساطة وجود للعدالة الاجتماعية من خلال تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للسلطة والموارد، والحماية المتساوية، والإنفاذ المحايد للقانون.

إقرأ أيضاً: الحكم الديمقراطي والحاكم الديمقراطي!

والسلام بهذا المعنى له بُعد داخلي وبُعد خارجي. وهذا هو المفهوم الذي تتبناه دولة الإمارات في علاقاتها وتبنيها للسلام مع كل الدول والشعوب، وليس فقط مع إسرائيل كما يحلو للبعض تصوير ذلك. فقبل معاهدات السلام مع إسرائيل، كانت الإمارات تتبنى مفهوم السلام الإيجابي في بناء السلام الداخلي عبر تكافؤ الفرص بين المواطنين والتوزيع العادل للسلطة، والمشاركة السياسية، والتمكين السياسي لجميع شرائح المجتمع، بما في ذلك شريحة الطفولة. دولة تحتضن أكثر من مئتي جنسية ما كان لها أن تقوم وتتغلب على هذا التنوع الإثني والقيمي إلا من خلال تبنيها للسلام الإيجابي ومعاملتهم معاملة المواطن في كافة الخدمات والحماية.

إقرأ أيضاً: لماذا أخفق الفلسطينيون في حكم أنفسهم؟

وفي تقرير لمعهد الاقتصاد والسلام ومقره سيدني بعنوان "السلام الإيجابي"، يقدم 24 مؤشرًا ويؤكد أن السلام الإيجابي يخلق البيئة المثالية لازدهار الإمكانات البشرية. ويعرفه بأنه المواقف والمؤسسات والنظم التي تخلق مجتمعات مسالمة وتدعمها، مما يؤدي إلى العديد من النتائج الإيجابية التي يشعر بها المجتمع، مثل القوة الاقتصادية والرفاهية. وفي التقرير، حلت الإمارات في المركز العربي الأول والـ37 عالميًا. هذا وقد تم التصنيف على أساس انخفاض درجة العنف التي تُحسب من واحد إلى خمسة، وحصلت الإمارات على درجة 2.2973. وكما أوردت شبكة "إن. بي. سي" الإخبارية الأميركية، فإنَّ تصدي الإمارات للهجمات الإرهابية الحوثية قد أظهر قوة الإمارات. وفي السياق ذاته، ذكر ديف ديزرو تشيز، زميل أول في الشؤون العسكرية لدى جامعة الدفاع الوطني، أنَّ الإمارات واحدة من أفضل دول العالم في مستويات الدفاع.

تمثل الإمارات اليوم نموذجًا للسلام الإيجابي التقدمي، وهو السلام الكفيل بتغيير شكل العالم، والقفز على العداوات التاريخية، وتأسيس ثقافة السلام المستقبلية. والإمارات اليوم بهذا السلام تخترق العقل الإسرائيلي وتنتزع منه كل التبريرات والمقولات التي تدعي أن العرب يريدون إلقاءهم في البحر، وتستبدل مفاهيم التعايش والتعاون بالحرب، والبقاء بدلًا من الفناء، والأمان والأمن بدلًا من الخوف، والرفاهية بدلًا من الفقر والجوع، والحب بدلًا من الكراهية، والقبول بدلًا من الرفض. وهذا كفيل باحتواء كل أسباب العنف والحرب واستئصالها من جذورها المجتمعية، ومدخل مهم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.

إقرأ أيضاً: أسطورة غزة

ويبقى أخيرًا أنَّ السلام الإيجابي تضمنته وثيقة "مبادئ الخمسين" التي تؤسس لسياسة الدولة للخمسين عامًا القادمة، والتي تقوم على السلم والسلام والحوار وحسن الجوار، وهي القيم التي أسسها المؤسسون، كما صرح الشيخ محمد بن راشد، والتي يرى فيها الشيخ محمد بن زايد مرجعًا لتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة وسلام واستقرار العالم. هذه القيم هي أساس السياسة الخارجية للدولة. وبهذا السلام الإيجابي، تتحول الإمارات إلى أيقونة عالمية في معاني السلام والأمن والاستقرار التي عبرت عنها وجسدتها وثيقة "الأخوة الإنسانية".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف