يدرك رئيس الحكومة المكلَّف في لبنان، نواف سلام، حجم الارتياح الشعبي الذي رافق تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة. ويدرك أيضًا أن كل يوم يتأخر فيه عن إعلان التشكيلة الحكومية يخفت شعلة الأمل بالعهد الجديد. وعليه أن يدرك أيضًا أن الدخول في نقاشات مع بعض القوى السياسية حول توزيع الحقائب يعني الدخول ليس إلى "عش الدبابير" كما هو دارج باللهجة اللبنانية، وإنما كمن يدخل غابة الوحوش السياسية.
وصل نواف سلام إلى سدة الرئاسة الثالثة بـ "أعداد" النواب الـ 87 في الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية، وليس بـ "قناعات" الأغلبية المدركة لثمن وتبعات معاكسة رياح الرغبة الإقليمية والدولية بتسمية سلام وفتح صفحة جديدة مع انطلاقة عهد الرئيس جوزيف عون. وثمة من يرى أن القوى السياسية ربما راهنت على تمرير مرحلة تسمية الرئيس سلام، ومن ثم نصب "كمائن الحصص" في وقت لاحق، وهذا ما يفسره المشهد السياسي في لبنان اليوم. فالحكومة المرتقبة تحتاج إلى ثقة القوى السياسية في مجلس النواب، وهي - أي القوى السياسية - اعتادت على أن الثقة لا تُعبَّر إلا على بساط تقاسم الحصص التي ترضي أمراء الطوائف.
شكَّلت زيارة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى بيروت رسالة دعم قوية للعهد الجديد، وفسَّرت أوساط سياسية تأكيد الوزير السعودي أن المملكة "تتابع مسيرة لبنان الجديد خطوة بخطوة.. وأن تطبيق الإصلاحات من شأنه تعزيز الثقة بلبنان"، بمثابة خطوة سياسية متقدمة لتفكيك مصدات القوى السياسية التي تفكر بأن تكمن لحكومة الرئيس سلام في ساحة النجمة (مجلس النواب).
على مدى عقود، خُطفت إرادة اللبنانيين، وأُدخلوا في حروب عبثية، وذاقوا مر الحاجة ومرارات الذل بأنواعها، واستُبيحت مؤسسات الدولة لتغذية دويلات الطوائف بأعلامها.
ثمة هوة شاسعة في الأولويات، وثمة صراع واضح بين العهد الجديد القادم على ركام الدولة وتشتت المجاميع اللبنانية، والذي يتسلح بمعاناة الناس وتجاربها المريرة وبإصرار عربي دولي للمضي نحو الجمهورية الثالثة، وبين منظومة حكم تشحذ كل أسلحة التقوقع للمحافظة على قلاعها السياسية.
اليوم، مع العهد الجديد وعودة لبنان إلى دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي، ثمة بارقة أمل لانطلاقة جديدة، الأمل منها أن توفر أرضية صلبة حقيقية للتغيير. والتغيير الحقيقي يكمن في اقتناع اللبنانيين، وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع العام المقبل، بأن الدولة العادلة وحدها مظلة الأمن والأمان الاجتماعي والاقتصادي.
إن أشد ما يحتاجه لبنان هو بيئة شعبية حاضنة للتغيير، والاستفادة من الدعم الخارجي لصياغة عقد اجتماعي جديد يزيل الفواصل الطائفية بين اللبناني، كل لبناني، والوطن لبنان.