تعرضت غزة، ذات المساحة الصغيرة والكثافة السكانية العالية، إلى تدمير تاريخي غير مسبوق على يد إسرائيل، وما زال حل أزمتها مجهول المصير على المدى القريب. وحسب ما صرح به وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، فإنَّ إسرائيل خلال عام حققت أغلب أهدافها الاستراتيجية في غزة، ومن أهمها:
1 - ضمان أمن إسرائيل ومنع حدوث أي عملية مشابهة لعملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) انطلاقاً من قطاع غزة أو الضفة الغربية.
2 - عدم وجود أي قدرات عسكرية قتالية فلسطينية في قطاع غزة، حيث تم تفكيك قدرات حركة حماس العسكرية.
3 - تدمير أنفاق وترسانة حركة حماس التسليحية.
4 - حصار غزة وحركة حماس وقطع أي تواصل أو إمداد خارجي معها.
5 - القضاء سياسياً على حركة حماس وعلى أهم قادتها.
6 - استعادة السيطرة على غزة، بما في ذلك معابرها وسواحلها.
7 - تسيير المفاوضات السياسية حسب الشروط وجدول التوقيت المناسب لإسرائيل.
8 - كسب المزيد من الوقت لإعادة تسليح وتعزيز الترسانة الإسرائيلية وتخفيف أثر الاستنزاف عليها فيما يسمى "استراحة محارب".
ولتحقيق أهداف إسرائيل الاستراتيجية، دفع المواطن الفلسطيني الأعزل في غزة ثمناً باهظاً، ولم يكن المواطن وحده من دفع الثمن، بل كان المكان في غزة أيضاً جزءاً من هذا الثمن. فقد شهدت جميع مدنها ومخيماتها وبنيتها التحتية وخدماتها ومزارعها وطرقها تدميراً مريعاً غير مسبوق.
لم تكن هناك أي قوة قادرة على ردع إسرائيل أو دحرها، ولم تلتزم إسرائيل بأي مبدأ أخلاقي أو عرف إنساني أو معاهدات قانونية، غير عابئة بأي تبعات لما أقدمت عليه قانونياً وقضائياً. ومن أهم ما يحرص عليه المخططون السياسيون والعسكريون عادة هو المحافظة على مبادئ القانون الدولي الإنساني في السلم والحرب، كأحد أهم المراجع لتحمل المسؤوليات وكتابة قيود ملزمة لتطبيق القانون الدولي ميدانياً عند تنفيذ أيّ عملية عسكرية.
إقرأ أيضاً: نذير شؤم في الأجواء
فهل فعلاً تدرس هذه المبادئ والقيود القانونية والإنسانية لدى المؤسسات التشريعية والعسكرية الإسرائيلية؟
يُلاحظ أنَّ حركة حماس لم تستفد من الرهائن كوسيلة ردع لإسرائيل لمنع اجتياح غزة، أو كوسيلة ضغط في أي مفاوضات. بل استغلت إسرائيل وجودهم كذريعة لتدمير غزة، إنساناً ومكاناً. فهل حررت إسرائيل رهائنها وضمنت سلامتهم منذ مدة ولم تعلنه إعلامياً وتخادع العالم بهذه الورقة؟
كانت "غزة هاشم" في الماضي سلة غذاء مباركة، إلا أنَّ أزمة الخبز فيها اليوم تهدد سكانها العزل وتعادل في خطرها بطش اليد الإسرائيلية الفتاكة. نأمل أن تكون الكمية المتوفرة كافية لسد جوع هذه الطوابير ومن خلفهم من العجزة والأطفال.
غدت غزة، في الواقع، ركاماً من الأسمنت تسكنه أجساد مضطهدة محطمة الروح والمعنويات، وبحاجة إلى الانتشال من الركام وإعادتها إلى مسار الحياة الطبيعي.
إقرأ أيضاً: أزمة غزة وضرورة وقف الحرب
مسؤولية إيقاف الحرب وإعادة إعمار غزة تقع على عاتق القوى العظمى والمجتمع الدولي، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية. ويجب على إسرائيل دفع فاتورة ما ارتكبته في غزة مادياً وقانونياً، وتحمل تكاليف إعمارها وتعويض سكانها المدنيين، وكذلك تهيئة المجال للمجتمع الدولي والدول المانحة لإعادة إعمار غزة، إنساناً ومكاناً، على الرغم من التحديات التمويلية والتشغيلية.
فهل إسرائيل على قدر المسؤولية في السماح بإعادة الإعمار خلافاً لما قامت به في حرب غزة؟