كيف نخاطب القارئ العربي، ومن أين نبدأ ونحن نعيش في عالم عربي مليء بالتحديات، حيث تُطرح التساؤلات بصوت عالٍ عن آلية الحوار مع القارئ العربي، ذاك القارئ الذي يواجه يومياً سيلاً من المعلومات المتدفق عبر منصات التواصل الاجتماعي والوسائل الرقمية؟ كيف نصل إلى عقله ووجدانه في ظل عالم يتيح لكل فرد، حتى الطفل الصغير، أن يبدي رأيه بكل حرية، مهما كان صواباً أو خطأً؟
إن الوصول إلى القارئ العربي اليوم لم يعد يحتاج إلى وسائل تقليدية فقط، بل يتطلب منا فهماً أعمق للقضايا التي تؤرقه، وتقديماً للحلول التي تلامس واقعه المعيش. فما جدوى أن نتحدث دون أن نصغي؟ وما قيمة الكتابة إن لم تخدم التغيير؟
في ظل ما نشهده من أزمات مستمرة في الوطن العربي، من محيطه إلى خليجه، لم يعد بإمكان أحد أن يغض الطرف عن الواقع أو يتجاهل تساؤلاته الكبرى: ما الهدف مما يحدث؟ ما معنى هذه الخسائر التي يدفع ثمنها المواطن العربي البسيط؟
كل صباح، تتآكل موارد البلاد العربية، وتُضاف خسائر جديدة إلى خزائن الفقر والعوز، بينما يعيش المواطن البسيط تحت وطأة ظروف قاسية تجبره على الهجرة، أو حتى مواجهة الموت بطرق مأساوية كخيار يائس.
لا يمكن الحديث عن الواقع دون الإشارة إلى الأحداث التي بدأت مع ما يسمى بـ"الربيع العربي". هذا الحلم بالتغيير والحرية، سرعان ما تحول في كثير من الدول إلى صراعات داخلية، وحروب بالوكالة، ودمار لا يزال يفتك بالأخضر واليابس.
كرة اللهب التي انطلقت آنذاك لم تتوقف، بل استمرت في التدحرج، مشتعلة بنيران لا تهدأ، تاركة خلفها الخراب والتشريد والفقر. التناقض في تحليل هذه الظاهرة، والاختلاف في تقييم نتائجها، أضافا تعقيداً جديداً للمشهد، تاركين المواطن العربي في حيرة وألم دائمين.
رغم وجود دول عربية تمتلك قدرات عسكرية وأمنية ضخمة، إلا أن هذه الأدوات لم تستطع إخماد نار الصراعات. المشكلة لا تكمن في نقص الإمكانيات، بل في غياب الإرادة الحقيقية لحل الأزمات من جذورها.
إقرأ أيضاً: عودة ترامب .. هل تعزز استقرار الشرق الأوسط؟
المواقف الصعبة التي تمر بها الدول العربية اليوم تتطلب وقفة شجاعة مع الذات. يجب أن يكون هناك اعتراف بالأخطاء، وتعاون حقيقي من أجل تجاوز الماضي وبدء مرحلة جديدة قائمة على الحوار والتفاهم.
في كل هذه الأزمات، يبقى المواطن العربي الخاسر الأكبر. فقد حياته الطبيعية، وأبسط حقوقه في التعليم والصحة والماء والكهرباء. أصبح ضحية لقرارات لا تعبر عن تطلعاته، ولا تأخذ بعين الاعتبار احتياجاته الأساسية.
القرارات التي تُفرض اليوم باسم الدين أو السياسة كثيراً ما تتسم بالتعسف، وتدخل في أدق تفاصيل حياة الناس، مما يثير حفيظتهم ويزيد من إحساسهم بالظلم.
إقرأ أيضاً: حزب الله.. مجازر بلا حدود!
بعض القوى التي ظهرت على الساحة العربية تحاول إعادة المجتمعات إلى عصور الجهل والخرافة، عبر فرض رؤى واجتهادات لا تتماشى مع تطورات العصر. يواجه المواطن العربي اليوم تحدياً مزدوجاً: التمسك بما تبقى من جمال الحياة التي عاشها في الماضي، والبحث عن طرق للبقاء في الحاضر المليء بالريبة والخوف.
إلى أين نسير؟
ما كان وما سيكون يعبّر عن رحلة مليئة بالتحديات. لا يمكننا أن نغيّر الماضي، لكن بإمكاننا أن نصنع مستقبلاً أفضل. الأزمات الراهنة تتطلب إعادة ترتيب الأولويات، وتحقيق توازن بين الحاضر والمستقبل.
توفير أبسط مقومات العيش، مثل الماء والكهرباء، يجب أن يكون على رأس الأولويات. تحسين جودة الحياة، وتخفيف العبء عن كاهل المواطن، ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة لتحقيق الاستقرار والسلام.
إقرأ أيضاً: التفاخر بالإقامة الأوروبية: بين الغربة والحنين للوطن
إن التحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم تتطلب وقفة جادة وشاملة. لا يمكن للأمة أن تنهض ما دامت قراراتها قائمة على التسلط والجهل، وما دام المواطن العربي يُترك وحيداً يواجه أزماته دون دعم حقيقي.
بناء المستقبل يتطلب إيماناً حقيقياً بأن الإنسان العربي يستحق حياة أفضل. فقط من خلال الحوار والتعاون والتخطيط يمكننا أن نحول ما كان وما سيكون إلى قصة نجاح بدلاً من مأساة مستمرة.