: آخر تحديث

إيران والتفاوض مع أميركا: تجرع كأس السّم مرة أخرى!

5
4
3

استدركت إيران الخطر الناجم عن منهجها السياسي المركب في العلاقات الدولية، بعد أن أمضت ثلاثة عقود ونيف في العمل بمسارين هما مسار الدولة، ومسار الثورة العقائدية بإقامة أذرع دفاعية لها خارج إيران متمثلة بأحزاب سلطوية وفصائل مسلحة، سمحت بها هشاشة الأنظمة العربية الفاشلة ذات التقبل للتمدد الإيراني مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، ولم يبق لجهاز الدولة الإيرانية سوى هامش ضيق يسير بموازاة منهج الثورة، أو يستسلم على مضض لتهديدات مكتب المرشد الأعلى وضغوطات الحرس الثوري.

عام 2005 سألت الرئيس الإيراني محمد خاتمي قبيل مغادرته مقر الرئاسة اثر فوز محمود أحمدي نجاد الذي حظي برعاية المرشد حينذاك: هل انتهت أولوية الدولة التي كرّسها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، وحان أوان العودة لمنهج الثورة وتصديرها وفق مفهوم السيد الخميني؟

ابتسم الرجل وأخفى إجابته بزم شفتيه! أدركت وقتها أنَّ السيد خاتمي يعبر عن الاستياء والشعور بالإحباط.

إيران اليوم، وبرغبة جامحة وغزل يهودي، تطلب الحوار مع أميركا، ومستعدة للتفاوض وتقديم التنازلات بعد أن ضاقت بها الأوضاع الإقليمية وأصابتها بخسائر غير متوقعة؛ ضياع لبنان وسوريا، والوضع العراقي غير المأمون، وتوصيف الحوثيين بالحركة الإرهابية، ناهيك عن أزماتها الخانقة وتنامي الاحتجاج القومي الداخلي، وهو الأخطر من جميع المعارضات الأخرى، فأصبحت الجهود مكرسة لدور الدولة في التفاوض والسعي الحثيث في الانسحاب إلى الداخل الإيراني، والتمسك بأولوية إنهاء الحصار على إيران وإبقاء نظام الحكم كما هو في إيران، وعدم إسقاطه أو تعرضه لضربات تدميريَّة إضافيَّة!

إقرأ أيضاً: غزة... آخر الحروب الخاسرة!

وجدت إيران في دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للضغط على إيران وتهديها بأقصى العقوبات وسحبها للتفاوض بدل الحرب عليها، متنفساً ورسالة مريحة للتفاوض بنحو مباشر مع أميركا ودون وسطاء، كما هي رغبة الدولة الإيرانية ورئيس جمهوريتها ومساعده محمد جواد ظريف، الخبير بشؤون التفاوض وتحقيق مكاسب لبلده.

التفاوض وتحقيق هدف رفع العقوبات الاقتصادية عنها، يستلزم من إيران التخلي عن مشروعها الاستراتيجي في صناعة الصواريخ البالستية ومشروع السلاح النووي، بعد أن وصلت مراحل متقدمة في تحقيقه، وأهدرت أرقاما مليارية في إنجازه!

إقرأ أيضاً: صراع إيراني - إسرائيلي حول الفراغ العربي

فصل التفاوض والاتفاق مع الشروط الأميركية، سوف يكشف عن صراعات داخلية بين اتجاه الثورة والعداء لأميركا، وبين الاتجاه الساعي لخروج إيران من مأزق الحروب والحصار والأزمات المتفاقمة والترحيب بالوفاق مع الغرب!

لكن أخيراً سوف تنحني إيران للعاصفة، وتتجرع كأس السّم، كما تجرعته بالموافقة على قبول السلام بعد ثماني سنوات من الحرب مع العراق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف