هيفاء صفوق
- يعتقد البعض أن التعبير عن المشاعر معيب وضعف، وحقيقة الأمر أن الله - عز وجل - خلق فينا القوة والضعف، ومن الطبيعي أن نشعر بمشاعر غير جيدة كالغضب والحزن والاستياء، كما من الطبيعي أن نشعر أيضاً بمشاعر الحب والفرح والسرور، فكلاهما موجودان في داخلنا.
- هناك حكمة من وجود هذه المشاعر فينا، فهي رسائل تخبرنا كل يوم عن حالتنا ووضعنا الداخلي وكيفية التعامل مع هذه المشاعر، فهي المؤشر الذي يوضح ما يحتاج تقبله ثم تغيره، أو مؤشر على اغتنام هذه المشاعر والعيش معها في بهجة وسرور، ومن خلال هذه المشاعر نتعلم قيمة الإدراك والشعور في كل جوانب الحياة، وأن الحياة واسعة جداً لا تعتمد على شعور واحد أو نوع واحد أو جانب واحد وهذا يوسع رؤيتنا للحياة.
- نجد بعض الأفراد في المشاعر المؤلمة كشعور الحزن يشاهده ضعفاً فيه وأنه شيء معيب فلا يجب أن يشعر بذلك الضعف، وربما يكون قائداً في مجموعته أو مديراً في عمله، أو رب أسرة، يجد هذه المشاعر مربكة بالنسبة له ومعيبة لا يجب أن تكون موجودة لأنها تشعره بضعفه، وهنا يكون قد وقع في فخ المثالية التي اخترعها الإنسان؛ محاولة للوصول للكمال، والحقيقة الكمال المطلق لا يوجد في أحد غير الله - عز وجل -، وجميعاً نمتلك القوة والضعف، لكن هناك فرق في كيف نتعامل مع هذا الضعف وندرك إدارة هذه المشاعر بطريقة صحيحة وآمنة للنفس دون الشعور بالعيب أو الضعف أو الهروب منها، فكيف يستطيع الفرد الهروب من نفسه التي تلازمه أربعاً وعشرين ساعة؟.
- مهما حاولنا الهروب من تلك المشاعر تظل موجودة ومخزنة في النفس والجسد فترة طويلة، مشاعر راكدة لكنها حتماً ستظهر على السطح مرة أخرى كأمراض نفسية كالاكتئاب أو أمراض جسدية كالقولون العصبي وغيرها من أمراض الجسد، إذاً المشاعر مهما هربنا منها هي معنا أينما كنا طالما لم نوجهها ولم نعترف بوجودها.
- لذا الوعي جد مهم بأن نمط الحياة متنوع ومتغير كالليل والنهار، والصيف والشتاء، والنفس أيضاً متقلبة ومتغيرة وليست على نمط واحد، فلا شعور يدوم كل يوم، نحن في حال مختلف بين العلو والهبوط، وعلينا إدراك الصورة الحقيقية للإنسان بكل ما فيه بعيداً عن المثالية المصطنعة، كما أن هناك فرقاً بين إهمال المشاعر، وبين كيفية التعامل معها.
- المثالية إحدى صور الأنا المزيفة التي تدعي الكمال في كل شيء؛ وهذا ما يرهق الإنسان ويفصله عن واقعه الفعلي، هذا لا يعني أن يهمل الإنسان التغيير والعمل على التطور والتقدم ومواكبة العصر، لكن عملية التوازن مهمة جداً بين ما نريد فعله وبين الأدوات التي نمتلكها وبين احترام خصائصنا وسماتنا الخاصة فينا ومن ضمنها احترام مشاعرنا.
- ما يجعلنا نشعر بشعور طيب هو معرفة كيفية إدارة هذه المشاعر التي نبدأ بالاعتراف بوجودها ونتقبلها، ثم ندرك ما هو خلف هذه المشاعر وكيف نتعامل معها، خلف هذه المشاعر عالم كبير من قناعات واعتقادات وأفكار لا حصر لها، وأيضاً خلف هذه المشاعر ظروف الحياة ومواقف عديدة، إدراكنا ما هو خلف الشعور يساعدنا كثيراً في التعامل معه بهدوء دون التضخيم والمبالغة.
- لابد أن ندرك أن خلف الهروب من المشاعر عدم الرغبة بالشعور بالألم، أو اهتزاز الصورة المثالية عن أنفسنا، أو إنكارها تماماً وكأنها غير موجودة، وكل ذلك لا جدوى منه سيعود مضاعفاً لنا يوماً ما بأي طريقة كانت، سواء كان بدور الضحية أو إسقاط هذه المشاعر على الآخرين.