: آخر تحديث

صيانة الأفكار نهج مستدام

2
2
2

أحمد محمد الشحي

إن حماية العقول والمحافظة على سلامة الأفكار مطلب ضروري لا غنى عنه في كل زمان ومكان، لتهنأ المجتمعات بالرقي والازدهار، ويعم فيها الأمان والاستقرار، ويصبح كل فرد فيها عنصراً إيجابياً، يسهم في رفعة وطنه وتقدمه.

وهو ما يقتضي من الأفراد أن يتسلحوا بالثقافة الإيجابية والمنهج السليم في بناء الفكر القويم، بما يعينهم على حسن القول والعمل، والتحلي بروح الإبداع والابتكار، وانتهاج نهج الحكمة والسداد في التعاطي مع الأمور أياً كانت مجالاتها، وتوقّي الأفكار السلبية، التي قد تضر بهم وبأوطانهم.

ومن أهم ذلك عند التعاطي مع المحتويات المكتوبة والمسموعة والمقروءة العناية بالجوهر قبل المظهر، وبالمضمون قبل العنوان، وبالأفكار الرئيسية قبل العبارات المنمقة.

وبالمصدر قبل المحتوى، وخاصة في عالمنا المعاصر، الذي يعج بتقنيات التواصل الاجتماعي وأدواته المتنوعة، وما ينتج عن ذلك من الانتشار الكبير والسريع للمحتويات على اختلاف أنواعها وأشكالها، مع تزايد التنافس بين رواد الحسابات على استقطاب المتابعين والمعجبين من كل أصقاع الأرض، بغية أن يجد محتواهم انتشاراً أكبر وتأثيراً أبلغ.

بالإضافة إلى ما لهذه المنصات من حضور واسع على مستوى الأفراد عموماً في كل مكان، ليقول فيها من شاء ما شاء، بما في ذلك أولئك الذين ينتصرون لأفكارهم وأيديولوجياتهم وأحزابهم وتنظيماتهم، فضلاً عن الشباب المتحمس، الذين يجدون في هذه المواقع متنفساً لهم، للتعبير عن حماسهم ومواقفهم من هذه القضية أو تلك، فيؤثرون ويتأثرون فكرياً بما ينشرون، وما يتلقون، وما يتفاعلون مع غيرهم أخذاً ورداً ونقاشاً وجدالاً، وهو ما يتطلب منهم أن يكونوا على القدر المطلوب من الوعي واليقظة، لكيلا ينشروا إلا ما هو صحيح، وكي لا يتلقوا على محمل التسليم إلا ما هو سليم.

إن هذه الحالة من الانفتاح التقني العالمي وما يواكبه من فوضى المحتويات يتطلب من كل فرد انتهاج نهج مستدام في صيانة فكره، واتباع استراتيجيات مثلى في ذلك، ومن أهمها التحلي بالتفكير الناقد الذي يدفعه للتريث والتثبت عند تلقي أي معلومات أو أخبار، ودراستها بشكل عقلاني موضوعي، والتأكد من صحة المراجع والمصادر التي اعتمدت عليها، وعدم الانخداع بالقشور المزخرفة على حساب المضمون الفعلي.

كالعبارات المنمقة أو المؤثرات السمعية أو المرئية، وضرورة التمييز بين الحقائق والآراء، وبالتالي عدم الانسياق وراء تحليلات واجتهادات فردية دون نظر وتمحيص، وخاصة ما يتعلق منها بالمسائل السياسية وأمور الدول وشؤونها ومصالحها العليا.

وبالأخص إذا كانت صادرة من حسابات مجهولة أو أناس غير متخصصين أو ذوي توجهات مؤدلجة، ومن ذلك كذلك المعلومات الدينية أو الصحية أو غير ذلك، فيتعين على الأفراد أن يتحلوا بقدر كبير من ضبط النفس، وعدم الانقياد السريع لأي معلومة نتيجة إعجاب سطحي أو تأثر عاطفي دون إعمال صحيح للعقل والنقد.

بل عليهم أن يمتلكوا المقدرة على التفريق بين الأخبار الصحيحة والشائعات، وبين الرأي الشخصي المبني على المصلحة الضيقة، وبين الواقع الحقيقي والرأي الحكيم الصواب، الذي يحقق مصالح الجميع سواء للأفراد أو المجتمعات أو الأوطان، مع تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية، التي تساعدهم على التفاعل الإيجابي مع الآخرين دون التأثر بالأفكار السلبية أو التحريضية، التي قد تضر بهم وبأوطانهم.

وتتأكد العناية بصيانة الأفكار في كل وقت، وبالأخص في أوقات الأزمات وازدياد التحديات وطروء المستجدات، حيث تكثر المعلومات المضللة والأخبار المفبركة والتحليلات الموجهة، التي تهدد استقرار المجتمعات وأمنها الفكري.

وقد تدفع التقلبات السريعة التي تطرأ على الساحة السياسية والاقتصادية بالبعض إلى الانتصار لأحزاب أو تنظيمات أو الترويج لأفكار متطرفة مغلفة، وتجعل آخرين ضائعين في متاهات الحيرة، لا يدرون أين يضعون أقدامهم، لعدم استنادهم إلى مرتكزات صلبة تقيهم من ذلك، ومن أهمها الالتفاف حول قيادتهم، والوقوف مع مؤسساتهم، وإرجاع الأمور المتعلقة بشؤون الدول إلى المختصين المعنيين بذلك، كما قال تعالى:

{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.

إن صيانة الأفكار منهج مستدام، يتطلب التمسك بالقيم الأساسية، التي تضمن للمجتمعات استقرارها وتنميتها، ومن أهمها الانتماء والمواطنة الصالحة والوسطية والاعتدال والتسامح، والتكاتف وغير ذلك، وتعزيز ذلك في نفوس الأبناء والأجيال، ليكون لذلك أبلغ الأثر في بناء مجتمعات قوية ناهضة، وأوطان مستقرة رائدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد