لا يزال لبنان الرسمي متمسكاً بالقرار 1701 ويناور من وراء القرار، بسبب أنَّ أصحاب القرار في لبنان لم يحافظوا على قرارهم السيادي بعدما تنازلوا عنه لصالح إيران التي تستخدمه لتفاوض أميركا.
المبادرة سُحبت من أصحاب القرار في لبنان، ولن ينفع التمسك بالقرار 1701 وإسرائيل تنفذ كامل مخططها حتى أصبح عدد النازحين مليوني لبناني، فيما المنتصر لا يمكنه مواصلة انتصاراته على حساب الدماء، وقد أكّد ذلك الانتصار أنتوني بلينكن وزير خارجية أميركا، بأنَّ إسرائيل حققت أهدافها الاستراتيجية، وأن السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 لن يتكرر مرَّة أخرى. وفيما إسرائيل تعلن أنها انتهت من مرحلة هزيمة حزب الله وانتقلت إلى مرحلة تدميره، وأحدث فصولها تدمير مقرات "القرض الحسن" الذي يمول حزب الله، وبالطبع لا تهمها حقوق المودعين الذين تعتبرهم شركاء في جريمة حزب الله في الهيمنة على القرار السيادي في لبنان. لم تكن لديهم القدرة على قراءة زيارات الموفد الأميركي أموس هوكستين، والتي تمكنت بالتفاهم مع الحزب من رسم الحدود البحرية، لكن الحزب رفض رسم الحدود البرية، لأن ذلك يكون نهاية مقاومته، وعندها يطالب الشعب اللبناني بتسليم سلاحه.
كما أنَّ الحزب ورّط لبنان بربط ساحته بساحة غزة نتيجة ضغط شعبي ضمن مناورات محدودة، ورشقات صاروخية تلتزم بقواعد الاشتباك ولا تُحدث أثراً حقيقياً. لكن هناك قرار إقليمي ودولي بتفكيك الميليشيات التي تدعمها إيران من أجل مشروع اقتصادي جديد ممثلاً في "الممر الهندي الأوروبي" الذي يمر بدول الخليج، وتكون إسرائيل شريكاً فيه. بالطبع، يتطلب ذلك إرساء الأمن في المنطقة بقيادة سعودية، بعدما كانت إسرائيل تغض الطرف في الفترة الماضية لتحقيق مكاسب جيوسياسية. لكن مع الإعلان عن هذا الممر الذي يزاحم "الحزام والطريق" الصيني، تغيرت تلك المكاسب إلى تحقيق مكاسب أكبر، وهو الاندماج في المنطقة، الذي لم يحققه التطبيع مع عدد من الدول العربية. لكن إقامة علاقة مع السعودية هو مفتاح المنطقة والدول العربية والإسلامية، بالطبع بعد إقامة دولة فلسطينية. وقد أعلنت السعودية عن تحالف دولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي القمة الخليجية الأوروبية أكدت الدول الأوروبية موافقتها على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ما يحقق لإسرائيل مكاسب جيوسياسية ضخمة قد تكون تاريخية.
وقد نبّه هوكستين بأنه أتى إلى لبنان في آب (أغسطس) 2024 وحذر أصحاب القرار من أنَّ ربط لبنان بأزمات أخرى ليس في مصلحته، إلا أنَّ أصحاب القرار لم يتنبهوا لمثل هذا التحذير، إما بسبب أنَّ القرار السيادي مسلوب منهم، أو لأنهم اعتادوا على التفاهمات الإقليمية والدولية لتطبيق القرارات في لبنان. وطالب هوكستين حالياً بتطبيق القرار 1701 حرفياً، وليس هناك مجال لتعديله، من أجل وقف دائم لإطلاق النار، وهو تحذير نهائي، إذ أن الوضع ملح والقائم لا يمكن أن يستمر. وأشار إلى أنَّ الرئيس الأميركي جو بايدن شدد على أن تطبيق القرار 1701 بشكل كامل سيجعل من النزاع الحالي النزاع الأخير لأجيال عديدة.
إقرأ أيضاً: تأثير توترات الشرق الأوسط على الانتخابات الأميركية
تزامنت زيارة هوكستين مع زيارة أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط لوقف التصعيد في المنطقة وليس لوقف الحرب، ويرى هوكستين أنَّ الحل بين الحكومة اللبنانية والإسرائيلية يكمن في تطبيق القرار 1701، وليس هناك مجال لتفسيره، بل التطبيق الكامل والشامل، وليس هناك فرصة للمناورة والمراوغة، كما يناور رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بأن الحرب هي بين حزب الله وإسرائيل. ويطالب هوكستين بدعم الجيش اللبناني ليقوم بمهمة الدفاع عن لبنان بدلاً من حزب الله، وهو ما يتوافق مع تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمطالبة حزب الله بتسليم سلاحه للجيش، الذي جاء نتيجة ضغوط هوكستين، وإن كان ميقاتي لا يمتلك القرار.
إقرأ أيضاً: السعودية ومصر ركيزة الاستقرار العربي
ومع هذا الحراك، اجتمع رؤساء لبنانيون سابقون يتشكلون من رئيسين هما أمين الجميل وميشال سليمان، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، في مقر إقامة الأول في بكفيا، واستعرضوا الأوضاع الكارثية الراهنة التي يتعرض لها لبنان تحت وطأة اتساع وتعمق ووحشية العدوان الإسرائيلي. ونوه الرؤساء بموقف ميقاتي في رفضه ممارسة الوصاية والهيمنة الإيرانية، وفي تأكيده سيادة الدولة اللبنانية وإمساكها الكامل بقرارها الحر، وطالبوا بضرورة تضافر الجهود والطاقات الوطنية من أجل التقدم المتوازي على خمسة مسارات، منها الوقف الفوري للنار، والشروع في تطبيق القرار 1701 تحت السلطة الحصرية للدولة اللبنانية بشكل صارم وحرفي وكامل، ودعم الجهود التي يقوم بها رئيسا المجلس والحكومة والجهات العربية والدولية، والمبادرة فوراً لتحرير عملية انتخاب رئيس جديد للبنان دون أيّ اشتراطات، لعودة الجميع إلى كنفها دون أي وصاية أو هيمنة خارجية.