تُؤخذ مسألة تسريب وثائق استخباراتية إسرائيلية عن الاستعدادات العسكرية لضربة على إيران كانت مصنفة "سرية للغاية" بعين الاهتمام الواسع في الدوائر الأمنية والسياسية، لدلالاتها في المطبخ السياسي الأميركي وانعكاساتها على إقليم الشرق الأوسط.
ويزداد الأمر خطورة بعدما قالت صحيفة التايمز البريطانية في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2024 إنَّ إسرائيل أجلت ردها على إيران بعد تسريب الوثائق السرية الأميركية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر استخباراتي أن "تأخير إسرائيل ردها على إيران سببه الحاجة إلى تغيير بعض الاستراتيجيات".
ويسعى المحققون الأميركيون لكشف كيفية تسريب وثيقتين من "الوثائق الاستخباراتية السرية للغاية" عبر الإنترنت، والتي ظهرت على تطبيق تيليغرام، وتحتوي على تقييم أميركي مزعوم للخطط الإسرائيلية لمهاجمة إيران، استناداً إلى صور الأقمار الصناعية ومعلومات استخباراتية أخرى.
وكانت كل من CNN وAxios الأميركيتين قد وصفتا التسريب باعتباره خرقاً أمنياً كبيراً يحدد (أو يقوّض) حجم الهجوم المحتمل لإسرائيل ضد الجمهورية الإيرانية الإسلامية. وكانت الوثائق المسربة قد نشرت في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري على قناة Middle East Spectator على تيليغرام، وهي قناة يعتقد على نطاق واسع، ومن توجهاتها التحريرية، أنها موالية لإيران.
وتحتوي الوثيقتان على ملاحظات يتضح أنها مخصصة حصراً للولايات المتحدة وشركائها في المجموعة المسماة "العيون الخمس"، وتضم أيضاً أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة. وينص تحليل الأقمار الصناعية، التي يُزعم أنها جمعتها وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الأميركية، على أنَّ القوات الجوية الإسرائيلية (IAF) كانت تتعامل مع الصواريخ الباليستية التي تُطلق جواً (ALBMs) ونقلت ذخائر مختلفة حولها، في حين لا يوجد أي مؤشر على الاستخدام المقصود للأسلحة النووية. وتحدد الوثيقة الأخرى، التي يبدو أنَّ مصدرها وكالة الأمن القومي، الأنشطة الأخيرة، بما في ذلك التدريبات الجوية وعمليات الاستخبارات ونقل الذخائر ذات الأسلحة المتقدمة. ويدعي التسريب أن IAF نقلت 16 صاروخ "أفق الذهبي"، الذي يُحتمل أن يكون تطوراً لصواريخ "سبارو" الإسرائيلية، التي استُخدمت لضرب الموقع الإيراني S-300 الواقع بالقرب من منشأة نطنز النووية. وأضافت الوثيقة أن إسرائيل نقلت 40 صاروخاً من طراز ROCKS IS02، من الطراز الجوي إلى السطح، طورتها شركة Rafael Advanced Defense Systems. كما يدعي الملف أن IAF أجرت تدريبات جوية في 15-16 تشرين الأول (أكتوبر)، شملت تدريبات للتزود بالوقود جواً باستخدام ثلاث ناقلات KC-707 وطائرة Gulfstream G550. علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أن IAF عملت على تركيب شاشات إخفاء على ست طائرات مقاتلة من طراز F-15I قادرة على إطلاق ALMBs، ويقترح أن إسرائيل قد نشرت طائرات مراقبة دون طيار لمتابعة أهداف مختلفة.
وكانت الولايات المتحدة قد عكست مواقف قلقة فحسب تجاه التسريب، حيث عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، عن "قلق عميق" إزاء تسريب وثائق استخباراتية مصنفة "سرية للغاية" تشير إلى استعدادات إسرائيلية لشن ضربة عسكرية على إيران. وقال كيربي: "نشعر بقلق عميق إزاء تسريب وثائق سرية بشأن استعدادات إسرائيل لضرب إيران ولا نعلم كيف حدث ذلك".
وقال البيت الأبيض إنَّ "وزارة الدفاع تحقق في تسريب الوثائق.. ونجري اتصالات مع المسؤولين الإسرائيليين بهذا الشأن"، حيث تم ضبط جواسيس إيرانيين مفترضين داخل إسرائيل.
وكان رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، قد أعلن أنه سيتم قريباً فتح تحقيق في تسريب الوثائق المؤرخة في 15 و16 تشرين الأول (أكتوبر).
إقرأ أيضاً: هل نأت دول الخليج بنفسها عن لبنان؟
إلا أن المحلل والكاتب جوناثان سايح، وهو محلل بحثي أميركي متخصص في الشؤون الإيرانية، يقول في تحليل لموقع مجلة "الحرب الطويلة" إن هذه ليست أول حالة كشفت فيها الوثائق المسربة عن التهديد الوشيك لهجوم إسرائيلي واسع النطاق على الجمهورية الإسلامية. ففي عام 2012، أفادت مجلة "فورين بوليسي" أن إسرائيل تخطط لضرب المنشآت النووية الإيرانية عبر القواعد الجوية في جمهورية أذربيجان. ويُزعم - حسب جوناثان - أن التسريب المتعمد على ما يبدو قد عطل حدوث العملية، حيث ادعى العديد من المسؤولين أن عناصر داخل الإدارة الأميركية (الديمقراطية) في ذلك الوقت سعت إلى منع إسرائيل من ضرب المواقع النووية الإيرانية. وهذا يدفع المراقبين إلى عدم إهمال الشكوك حول عناصر داخل الإدارة الأميركية الحالية بشأن مسؤولية التسريب الأخير.
إقرأ أيضاً: محمد بن سلمان في القاهرة: العلاقات السعودية المصرية في أحسن حالاتها
وإذا أخذت الاعتبارات السياسية في الحسبان، فإنَّ هناك ثلاثة أسباب لقبول منطقية الأسئلة حول دور واشنطن في التسريب.
الأول: أن هناك خلافات أميركية إسرائيلية تصل حد النزاع حول حجم وأهداف الضربة الإسرائيلية لإيران، ولطالما حذرت واشنطن تل أبيب من ضرب المنشآت النووية والبترولية داخل الجمهورية الإسلامية بحجة عدم توسيع النزاع.
الثاني: الدبلوماسية السرية النشطة بين الولايات المتحدة وإيران (خاصة في عهود الديمقراطيين) التي نتج عن فعاليات خطوطها العديد من الصفقات، مثل إلغاء ضرب نظام بشار الأسد لاستخدامه السلاح الكيميائي في سوريا عام 2013، وبدء حوار حول المشروع النووي أدى إلى اتفاق ضعيف في تموز (يوليو) 2015. وقد ساعد على ذلك ما يُذكر عن وجود (لوبي) إيراني وأصدقاء لطهران داخل الحزب الديمقراطي، وخصوصاً بين التقدميين الذين يتخذون مواقف متطرفة من العرب والسعودية.
والسؤال اليوم هو عن انعكاسات هذا الخرق في الأمن القومي الأميركي على السياسات الداخلية، خصوصاً في موسم الحملات الانتخابية الرئاسية، وخارجياً على مصداقية الولايات المتحدة تجاه حلفائها وشركائها.