عبده الأسمري
مزج بين كيميائية الشعر واستثنائية الشعور فكان جوهر القصيدة الذي حولها إلى دهرين من «الإبداع» أحدهما للضياء والآخر للإمضاء.
أسفر في ليل «التفعيلة» بدراً مكتمل «الشواهد» حتى قدم النصوص مهراً كامل المشاهد لجمهور «عريض» منحه أحقية التأثير وأسبقية التقدير.
امتلك قريحة صريحة حصيفة عطرت القصائد بعبير الإنسان وأثير التمكين فكان الابن البار للأدب الشعبي الذي انتزع «عذابات» المشاعر من «مكامن» الصمت واعتلى بها واقع المنابر ووزعها للعابرين على دروب «التجارب» محولاً الأبيات الشعرية إلى منهجية بشرية و»إجابات» حرفية في متون الإمتاع وشؤون الاستماع.
كتب الحروف بحبر «المهارة» وسكب «القوافي» في وعاء الجدارة وسبك العبارات بواقع «الوعي» وكسب القلوب بوقع «التمكن» فكان الحاضر الناضر في «ثنايا «الحرفة والشاعر الباهر في «عطايا» الاحتراف.
إنه الشاعر والإعلامي الشهير مسفر الدوسري رحمه الله أحد الشعراء البارزين في الشعر الشعبي في السعودية والخليج.
بوجه أسمر تسكنه صفات الطيبة والبهجة وملامح نجدية تملؤها سكنات «الإنصات» وومضات «الثبات» مع ابتسامة مستديمة مقترنة بطلته وقرينة بحضوره وسحنة «مألوفة» وعينان تسطعان بلمحات «التروي» ونظرات «السمت» وطلة أنيقة ترتدي «البياض» المتكامل مع صفاء قلبه ونقاء سريرته وشخصية فريدة مسكونة بحب الناس ومسجوعة بعشق الكتابة ومشفوعة برقي التعامل وسمو الأخلاق ولين الجانب وجميل المعشر ولطف القول وجميل اللفظ ومخزون «شعري» قوامه «موهبة» أصيلة ومقامه «خبرة» عريقة ومكنون «ثقافي» عنوانه «جودة» النظم وتفاصيله «أجادة» التأليف قضى الدوسري من عمره عقودا وهو يرسم خارطة «الشعر الشعبي» بخطوط خضراء أشاعت «التفاؤل» وحدودا متينة وظفت «الاتقان» وقصائد شهيرة صنعت «الفارق» ويؤسس مسارات مثلى للقصيدة العامية ويؤصل أصول الأدب الشعبي مع حضور زاهٍ في المجلات الشعبية بعناوين «المسؤولية» وتفاصيل «المهنية» ليترك اسمه ساطعاً بين «المبدعين» في متون «الذاكرة «وشؤون» المعرفة.
ولد الدوسري في «بيئة» فاخرة تدثرت بالبساطة وتجللت بالفصاحة بين أب كريم جواد اشتهر بالمروءة والشهامة غمر وجدانه طفلاً بمعاني التربية وسبل التوجيه وأم متفانية أنارت طفولته بدعوات «الحفظ» وابتهالات «التوفيق» وعشيرة متحابة متعاونة صنعت «أجواء» الألفة وسط أفرادها وعائلة متعاضدة» سخرت «عطاء» التآلف بين أبنائها.
كانت ولادته بمثابة «بشرى» منفردة بين أسرة تعودت صياغة «الفرح» على طريقتها وما أن أبصر النور في يوم شتوي في سماء «بلدته» حتى أطلق عليه والده أسم «مسفر» تيمناً بحضوره الزاهي وابتهاجاً بقدومه الباهي وسط «أفراح» تناقلها «قومه» لأيام وبات اسمه «وجهاً» متعاقباً لتوظيف «البشائر» في معاني «التسمية» الحاضرة مع قدوم «المواليد».
انطلق الفتى «الأسمر» النحيل وسط حيه «العتيق» مع أقرانه مدفوعاً بنباغة باكرة جعلته يوزع «الأسئلة» على والديه كل مساء عن مصائر أحلامه المبكرة وينشد «الأبيات» الأولى ويردد «القصائد» المثلى مولياً قبلة أحلامه شطر «الشعور» الذي ظل يرافقه ويستعمر أعماقه فظل يكتبه «شعراً» في كشكوله «الملون» الذي احتوى خطوطه وتجاربه وخربشاته وتواقيعه وظل ينتقل بين أوراقه حتى يصنع «القصيدة» الواقعية من عمق «الممارسة» ومن وحي «التجربة».
أتم تعليمه العام وكان «مفتوناً» بتلك القصائد العامية التي أطلقها جهابذة «الشعر العامي» المصري حيث تأثر بأداء عبد الرحمن الابنودي وعطاء سيد حجاب وبراعة أحمد فؤاد نجم فظل يحاكي ذلك «الاشعاع» الشعري والذي تمكن من مجاراته وتوظيفه أبياتاً ناطقة في أصداء «النظم» وسامقة في مقام «المشهد».
ارتبط الدوسري بالقراءة العميقة في «الكتب» التي كانت تزاحم كتبه «الدراسية» وكان يمضي ليله في استقراء الكلمات وتحليل المفردات ملاحقاً بعد نظره الذي كان يتجه نحو «التفكير» خارج مساحات «المألوف» ومضى يقتنص من «وجوه» القادمين الى أسواق بلدته والماكثين في مجالس قومه «تعابير» البشر و»تباشير» الحكايات و»تفاصيل» العيش والتي كانت «الخلطة السرية» التي بنى بها صروح «التأليف» الذي انطلق من مواقف الحياة واتجه إلى وقفات النجاة بين أزمنة وأمكنة تواءمت في العناوين واختلفت في المسالك.
انبهر الدوسري بالشعر الفصيح وبدأه باكراً ثم رأى أن بيئته واتجاهه يميلان إلى العامية فرجح كفة «القصيدة الشعبية» وظل يركض في ميادينها فارساً مغواراً حتى حصد «تتويج» المحايدين وتكريم «المنصفين».
انتقل الدوسري لكتابة القصيدة العامية وشعر التفعيلة بلغة «واضحة» ولهجة «سلسة» ومفردة «جميلة» وبدأ بالنشر في الصحف والمجلات الأدبية والثقافية وسطع نجمه بين «كبار» الشعراء الذين راهنوا على قدومه كمشروع «شعري» فريد نظير ما تمتع به من «نبوغ» في الكتابة و»سطوع» في الإنتاج.
واءم الدوسري ما بين التراث الشعبي بقوته ومخزونه والأصالة الشعرية برونقها وأناقتها فتمكن من «استخراج» كنوز «المفردات» من بحور الشعور ليقدمها في «توليفة» شعرية فاخرة لامست الهموم وحللت المعاناة وحلت التساؤلات وأنتجت الإجابات محولاً الشعر إلى أسلوب حياة ومسلك تعايش ومعنى حضور وموطن أمل.
تكللت مسيرته الشهرية بشهرة كان يواجهها بتواضع مهيب وبعد عن الأضواء التي لاحقته رغماً عن مكوثه المتواري خلف نجاحات «الأخرين» وأصدر دواوينه «صحاري الشوق» و»ما تخليني بدونك» وكتاب «ما لم أقله شعراً» .
وشارك في عشرات المناسبات الثقافية والأمسيات الشعرية والمهرجانات الأدبية داخل المملكة وخارجها.
أسهم الدوسري في تأسيس عدد من مجلات الشعر الشعبي المهمة، من أهمها: المختلف، وفواصل وغيرهما ورأس تحرير مجلة مشاعر والتي حققت نجاحات مشهودة خلال فترة رئاسته وقد أمد «الصفحات الثقافية» بعشرات المقالات والقصائد والتي لبست تاج «الانفراد» نظير الكفاءة اللغوية واللغة الإبداعية.
تعرض الدوسري إلى جلطة في المخ عام 2019 ونقل للعلاج في المستشفى العسكري بالرياض وظل في معاناة مع المرض وظل طوال تلك الفترة «حديث» المجالس الشعرية و»حدث» المنصات الشعبية في دعاء مستديم ورجوع منتظر.
انتقل الدوسري إلى رحمة الله تعالى مساء الخميس 16 يناير للعام 2025 وقد اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات «الرثاء» وامتلأت الصحف بعبارات «النعي» وعزا فيه رفقاء دربه وزملاء مهنته والشعراء من الداخل والخارج وتم وصف رحيله «بخسارة» للوسط الأدبي والشعري.
رحل الدوسري مع موجات «الشتاء» الذي قال عنه ذات يوم «إنه ينحاز إليه ويحتاج تلك الدهشة المشبعة بالجمر» فغابت روحه في الفصل البارد الذي أشعل فيه قصائده شعراً وشعوراً.
غادر بعد أن ملأ سماء الشعر بقصائد خالدة تاركاً إنتاجه في إضاءات «الذاكرة» المشرقة بالتميز ومفرداته وسط حنايا «الأنفس» المتشوقة للنصوص وأبقى صيته مترددا في صدى «الاستذكار» وصداه متمدداً في مدى «الاعتبار».
مسفر الدوسري.. الواقف بشموخ في قوائم «الشعراء» والراسخ باعتزاز في مقامات «الأدب».