: آخر تحديث

ورطة المستثمر

1
1
1

القاعدة الأولى، والتي تمرّ علينا كلما جاء ذكر الاستثمار، هي أن رأس المال جبان، نعم، هو كذلك وأكثر مما نتخيل أو مما نراه. يهرب الاستثمار ويتبعه المستثمرون بسبب حادث بسيط أو تحديث أو تعديل قُصد به خير، وإن لم يكن كذلك. ومن خلال لقائي بعدد من المستثمرين، والذي أجزم بأن رأيهم يُشكل حجر زاوية ورؤية عالية الأفق تستمد من ميدان السوق، حدثني أحدهم قائلاً: إن أمن وسلامة الإقليم والمنطقة يُعدّان من أهم العناصر الجاذبة للاستثمار ولتوسعه، واضطرابها يشكّلان هاجسًا حول مدى التوقيت المناسب للدخول، وكذلك التخارج. وآخر ذكر لي بأن سهولة الحصول على رخصة استثمار ليست بسهولة استكمال بقية الاشتراطات والمتطلبات لدى بعض الجهات الحكومية في بعض الدول.

مستثمر آخر يرى ضعف التواصل من الجهة المعنية بالاستثمار بعد استخراج الرخصة، فعند وجود تحدٍّ تجد التصدي وأحيانًا التجاهل من الجهة. وآخر يرى ضعف مستوى من يمثل الجهة عند الاجتماع، أو عدم الإلمام بالموضوع وتفاصيله وحيثياته، وأحيانًا عدم الرغبة حتى في مناقشة الاقتراحات. والشكاوى تختلف وتتكاثر، وهذا طبيعي في أي مكان في العالم، ولكن المستغرب هو عدم الاستدراك، فضلًا عن العديد من التحديات والمرئيات التي لا تسعها سطور هذا المقال لسردها.

سأعود خطوة للوراء: فقد كتبت عدة مقالات عن الاستثمار وأهميته للاقتصاد، وأهمية عدم الاكتفاء بجذبه -وإن كنت أسميه مجازًا "إغواؤه"- بل تعزيزه واستدامته. ولا زلت أرى أن البيئة الخارجية لا تؤثر كثيرًا على المملكة، وهذا يعود بفضل الله، ثم بالقيادة الرشيدة -حفظها الله- وقدرتها على النأي عن الدخول في صراعات ونزاعات إقليمية ليس لها طائل. ولكن التحدي الأكبر -الذي بلا شك يمكن تداركه وعلاجه- هو في منظومة البيئة الاقتصادية من الداخل، تجاريًا واستثماريًا؛ فنحن الآن نعمل وفق رؤية ومستهدفات، فليس من المنطق تغيير التشريعات والإجراءات بشكل لا يستطيع حتى المستثمر المحلي إدراكه، فما بالك بالمستثمر الأجنبي. ثم إن هناك تدافعًا من الجهات في تصدير القرارات مع فورية التنفيذ، وكأن الاستثمار كان ينتظر هذه القرارات بفارغ الصبر، إلا أن هذا التسرع -وليس السرعة- بلا شك يربك السوق ويزيد تردد المستثمر في الدخول، وقد يعزز رغبته في التخارج.

ولأن لكل داء دواء، فإن حوكمة التشريعات والإجراءات عامل أساسي لتدارك هذا الارتباك. وأعرف أن قرارًا لحماية الصناعة الوطنية قد يؤدي إلى انخفاض الواردات وبالتالي قد يتبعه ارتفاع في أسعار السلع المحمية، فتقع وزارة التجارة في مأزق. كما أن قرار التجارة بوقف تصدير سلعة ما لحاجة السوق المحلي يؤثر على الصادرات السعودية والميزان التجاري، وينعكس على المستثمرين المحليين والأجانب. وإن قرار فرض رسمٍ معيّن من جهة ما سيجعل العبء كبيرًا على وزارة الاستثمار لتبريره للمستثمرين، والأمثلة في هذا كثير.

والحوكمة هنا، أعني بها أن تكون كافة التشريعات والإجراءات والقرارات صادرة من لجنة اقتصادية موحدة، قد تكون وزارة الاقتصاد والتخطيط هي الأنسب لرئاستها، ليس قصورًا في باقي الجهات، ولكن لأنها لا تتعاطى بشكل مباشر مع التاجر أو المستهلك أو المستثمر، ولأن لديها القدرة على ضبط المؤشرات الاقتصادية في كافة المجالات. ويكون أعضاء هذه اللجنة من المسؤولين الحكوميين في منظومة الاقتصاد كافة، إضافة إلى أصحاب العلاقة في اتحاد الغرف الذين قد يمسهم الضر أو النفع، وهم الأقرب إلى واقع السوق.

ختامًا، هذا رأي يقبل الصواب كما يقبل الخطأ، وقد يؤدي إلى البطء ولكنه يحدّ من التسرع، ومن المؤكد أن هدف الجميع هو تنمية الاقتصاد الوطني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد