يمثل وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتسلمه سلطاته التنفيذية فاتحة عهد جديد مختلف تماما عما سبقه. وتأثيره لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة، بل أن ترددات وصول ترامب تشمل الكرة الأرضية. فعلى الرغم من قيام تكتلات دولية منافسة تقودها كل من الصين وروسيا وتشارك فيها قوى دولية صاعدة تبقى الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، فيما تحل الصين في مرتبة أدني كقوة دولية صاحبة اقتصاد مواز نوعا ما للاقتصاد الأميركي، أما روسيا فقد ظلّت قوة نووية عظمى دون أن تُصنَّف بمرتبة القوة العظمى ولا حتى القوة الدولية في معظم المجالات. من هنا متابعة العالم وتكتلاته الكبرى تفاصيل الانتخابات الرئاسية في أميركا نظرا لما تشكله من تداعيات في كل مكان من العالم.
في الشرق الأوسط ثمة دول عربية كانت تنتظر بفارغ الصبر وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لكنها تعرف أن الأخير يمكن أن يفاجئ الحلفاء تماما كما يفاجئ الخصوم بمواقف واستدارات جيوسياسية خطيرة. فبموقفه الأخير من وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي قال فيه إن الحرب هي حرب الإسرائيلي مع حركة "حماس"، وأن على تل ابيب أن تنهي العمل هناك يشي بسلوك سوف يتكرر ربما في ساحات صراع أخرى في المنطقة. فعدا عن قيامه بإعادة ادراج جماعة الحوثي على لوائح الإرهاب، وتوعده إيران بإجراءات عقابية على مواصلتها تطوير برنامجها النووي العسكري، لم يلحظ المراقبون موقفا واضحا من حرب الساحات بين إسرائيل ايران، ولم يكشف عن توجه جديد في الشرق الأوسط. كل ما تناوله كان العلاقات مع المملكة العربية السعودية. لكن ماذا عن مواصلة الحرب ضد مشروع "وحدة الساحات" الإيرانية؟ وماذا عن التحضيرات لاستهداف البرنامج النووي الإيراني العسكري الذي يقترب بشكل خطير من القدرة على انتاج القنبلة النووية ومنع ولادة دولة نووية في الأوسط تمارس سياسات مزعزعة لاستقرار الدول والكيانات والمجتمعات الإقليمية. والأهم خطرة على المصالح الأميركية والغربية في منطقة غربي آسيا؟ وثمة أسئلة أخرى تتعلق بساحتي لبنان والعراق. بالنسبة إلى الاولى ما هو تفكير ادارة ترامب بانسبة إلى اهم الفصائل الإيرانية في المنطقة أي "حزب الله"؟ وهل أن أميركا ستواصل التشجيع على سياسة مقاسمة إيران في العراق؟ ام أنها ذاهبة في اتجاه ممارسة ضغوط قصوى لتقويض الفصائل العرقية والهيمنة الإيرانية على مقدرات العراق؟
أسئلة كثيرة لا يجد المراقبون في منطقة الشرق الوسط لها إجابات شافية. فالسياسة الخارجية الأميركية في السنوات الأربع المقبلة التي تعكسها موقف الرئيس دونالد ترامب هي عبارة عن تغريدات على مدافع التواصل الاجتماعي. ومن تستحيل معاينة نصوص كاملة ومفصلة لعقيدة ترامبية للمستقبل. وكأن العالم والشرق الأوسط ينتظر اكتشاف قائد القوة العظمى الوحيدة في العالم خطوة خطوة ومفاجأة مفاجأة. هذا الواقع ينطبق على الحلفاء التاريخيين وفي مقدمهم الأوروبيين والجوار الكندي والشركاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو". وإلى حد ما على "الولاية الحادية والخمسون" أي إسرائيل التي يبدو انها تمارس سياسة حذرة مع الرئيس الأميركي السابع والأربعين مخافة أن يفاجئها بمواقف عنيفة تترجم في مكان الصورة الرسمية الصارمة التي اعتمدها في الدقيقة التي أدى فيها القسم الدستوري. للمرة الأولى منذ اندلاع حرب غزة إثر هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حركة "حماس" في ٧ تشرين الأول-أكتوبر ٢٠٢٣ يظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذرا جدا في التعامل مع ترامب بعكس ما كان. عليه الحال مع الرئيس السابق جو بايدن. فكأن دونالد ترامب الذي استهلّ ولايته الجديدة بالتوقيع على حوالي مئة امر تنفيذي دفعة واحدة، يخيف حلفاءه اكثر مما يخيف اعداءه. والسبب عدم القدرة على توقع قراراته وردود افعاله في مجال السياسة الدولية. ففي الوقت الذي يتحدث فيه عن ضم الجارة كندا وجزيرة غروينلاندا التابعة الدانمارك الدولة الأوروبية عضو في "الناتو". ويعلن انه يريد استعادة قناة باناما التابعة لدولة ذات سيادة، وفي مكان آخر يهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعواقب وعقوبات إذا لم يوقف الحرب في أوكرانيا، متوعدا بمزيد من تدمير الاقتصاد الروسي. بمعنى آخر انه مثير للقلق هنا وهناك ويصعب الركون إليه، عدوًا كان أم حليفًا.