منذ توليها المسؤولية، وضعت الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أهدافًا طموحة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في البلاد. ركزت الحكومة بشكل خاص على تقليل الاعتماد على النفط، وهو مصدر الدخل الرئيسي للعراق، وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات غير النفطية، ومواجهة تحديات البطالة خاصة بين الشباب. وقد افلحت الجهود الحكومية في السنوات الأخيرة في تحقيق تحسن ملموس في عدد من القطاعات الاستراتيجية من أبرزها المجال الزراعي.
مختارات إيلاف | |
محمد شياع السوداني يحاوره عثمان العمير: عراق جديد يُرسم بهدوء الإنجليز |
لعب قانون الأمن الغذائي والتنمية الذي ركز على دعم المزارعين وتحسين البنية التحتية الزراعية دورا رائدا في احداث التغير المنشود في أداء القطاع الزراعي العراقي. وانعكس التحسن على معدل النمو المحقق في القطاع الذي زادت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 3% بعدما كانت تقريباً 2%، وذلك وفقا لما افاد به المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، وبذلك ضمن العراق تقليل الاعتماد على استيراد المواد الغذائية وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
الاهتمام الحكومي بالقطاع الزراعي ترافق مع أطلق الحكومة مبادرة "صنع في العراق" لتعزيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات. وتضمنت المبادرة إعادة تشغيل المصانع المتوقفة وإنشاء مصانع جديدة، مما ساهم في خلق فرص عمل وزيادة الإنتاج المحلي.
وقد عززت الحكومة مبادرة "صنع في العراق" بسلسة من الاتفاقيات الاقتصادية مع عدة دول، منها الصين وتركيا والسعودية، سعيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية، بجانب جهود إصلاح القطاع المصرفي لجعله أكثر استقرارًا وأمانًا.
في مجال التنمية الاقتصادية المستدامة، شهد العراق مشاريع واسعة تهدف إلى فك الاختناقات في البنية التحتية، وتحسين النقل والطاقة. وعملت الحكومة على إعادة تشغيل المصانع المتوقفة وافتتاح مصانع جديدة لتعزيز الإنتاج وتوفير فرص عمل جديدة. تدعم هذه المشاريع بشكل مباشر النمو الاقتصادي وتخلق بيئة خصبة لجذب الاستثمارات. ورغم هذه الجهود، يبقى نجاح التنمية المستدامة مرهونًا بمعالجة قضايا الفساد والبيروقراطية، والحد من الاعتماد على النفط، إلى جانب تعزيز قطاعي التعليم والصحة.
وقد اتخذت حكومة السيد محمد شياع السوداني عدة خطوات إصلاحية أثرت بشكل ملحوظ على الاقتصاد العراقي. بدأت نتائج هذه الإصلاحات بالظهور تدريجيًا، حيث شهدت قطاعات مثل الطاقة والزراعة تحسنًا طفيفًا على المدى القصير. ومع نجاح تنفيذ هذه الإصلاحات، من المتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي وتتزايد فرص العمل خلال العامين إلى الثلاثة القادمة. وعلى المدى الطويل، يتوقع أن تشهد البلاد تحولًا اقتصاديًا جذريًا يعزز جاذبيتها للاستثمار ويزيد من مستوى معيشة المواطنين.
ومن المشاريع الرائدة في العراق، يأتي مشروع "طريق التنمية"، الذي يهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي وتجاري كبير. يركز المشروع على تطوير البنية التحتية وتعزيز التنوع الاقتصادي، ومن المتوقع أن يسهم في تحسين شبكة النقل والمواصلات داخل العراق ومع الدول المجاورة، مما يعزز مكانة العراق كمركز تجاري في المنطقة. ومع ذلك، يتطلب نجاح المشروع تخطيطًا سليمًا وتجاوز تحديات التمويل والفساد لضمان استدامته وتحقيق الأهداف المنشودة.
على الجانب الآخر، يمثل مشروع ميناء الفاو الكبير خطوة أساسية نحو تقليل الاعتماد على النفط، مما قد يسهم في دفع الاقتصاد العراقي نحو التنوع. من المتوقع أن يحقق الميناء عائدات مالية كبيرة من خلال رسوم الشحن والخدمات اللوجستية، ويعزز الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ويفتح آفاقًا اقتصادية جديدة. كما يمكن أن يقلل هذا المشروع من البطالة ويحسن مستوى معيشة المواطنين، في حين أن تطوير البنية التحتية المحيطة بالميناء سيسهم في تحسين التجارة الإقليمية والدولية. ورغم ذلك، يتطلب الخروج الكامل من الاقتصاد الريعي جهودًا مستمرة في مجالات أخرى، كالإصلاحات المالية، وتطوير القطاع الخاص، وتحسين بيئة الاستثمار.
وفقًا للتقارير الحكومية، سجل العراق نموًا اقتصاديًا بنسبة 3.7% في عام 2024، مع توقعات بزيادة هذه النسبة إلى 4.5% في عام 2025. كما انخفض معدل البطالة بنسبة 1.8% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة لزيادة فرص العمل في القطاعات الزراعية والصناعية والبنية التحتية. علاوة على ذلك، تم تخصيص 1.2 مليار دولار لدعم مشاريع التنمية في القطاعات الحيوية.
وتكشف تلك الأرقام عن نجاح الحكومة العراقية في المضي قدما في تحقيق أهدافها الاقتصادية التنموية المنشود، وفي اطار ادراك المجتمع الدولي جدية الحكومة العراقية في المضي قدما في مسارها التنموي الراهن ، فانه يمكن فهم الابعاد الاقتصادية للزيارة الرسمية التي قام بها مؤخرا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى بريطانيا، حيث التقى بعدد من المسؤولين ورجال الأعمال البريطانيين. وتم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية بهدف جذب الاستثمارات البريطانية إلى العراق، مع التركيز على قطاعات الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والتعليم. ومن المتوقع أن تسهم هذه الاتفاقيات في تحسين بيئة الأعمال في العراق وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
فيما يتعلق بالنماذج الدولية التي يمكن للعراق أن يستلهم منها، تبرز عدة تجارب عالمية مثل سنغافورة التي ركزت على جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير التعليم، وماليزيا التي اعتمدت التنوع الاقتصادي وتنمية قطاعات السياحة والزراعة، وكوريا الجنوبية التي تبنت استراتيجية التنمية الصناعية والتصدير، والنرويج التي تميزت بإدارة مواردها الطبيعية بفعالية من خلال إنشاء صندوق سيادي.
يمثل العراق نموذجًا فريدًا لبلد يمتلك موارد طبيعية هائلة وإرادة سياسية لتحقيق تحول اقتصادي شامل. من خلال تنفيذ الإصلاحات الحالية، وتعزيز التعاون الدولي، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى، يمكن للعراق أن يصبح نموذجًا يحتذى به في التنمية الاقتصادية المستدامة في المنطقة
يقف العراق اليوم على أعتاب حقبة جديدة من النمو والتنمية. التحديات كبيرة، ولكن الإرادة السياسية والتعاون الدولي يمكن أن يجعلا من العراق قصة نجاح اقتصادي في المستقبل القريب.