كثيرون يعوّلون على توحيد الخطاب الكردي، وهو بلا شك مطلب شعبي يلاحظه المتابع للأحداث في مناطقنا مع كل مناسبة تشهد تقارباً بين ممثلي كل من محوري أربيل وقنديل. يعمّ الأمل الشارع الكردي لأنَّ عامة الناس يترجمون ذلك على أنه دليل على أن قياداتهم يضعون الأولوية في حراكهم السياسي للشأن القومي والوطني، متجاوزين المصالح الحزبية الضيقة.
هذا بالطبع ما يتعلق بالتوجه العام الكردي، ولكن الأمور أعمق من ذلك بكثير. في حقيقة الأمر، ليست هناك خيارات عديدة مطروحة للقوات الكردية المسلحة في سورية، بغض النظر عن المحور الذي يتبعون له. فقد اتخذت إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القرار وانتهى الأمر: "ارموا السلاح أو تدفنوا معه!". حتى المبادرة، في واقع الأمر، لم تكن كردية - كردية، سواء من طرف إقليم كردستان العراق أو من طرف قوات سورية الديمقراطية (قسد).
هذا ليس تشكيكاً في نوايا قيادة إقليم كردستان في خدمة القضية الكردية أو "قسد". فما يتعلق بقيادة الإقليم، فهي محكومة من الطرف التركي بالتحرك ضمن مساحة محدودة في أي جزء من أجزاء كردستان. وهذا ما لاحظناه مؤخراً في النبرة الرزينة والمسالمة خلال مقابلة أجراها الإعلامي اللبناني إيلي ناكوزي في قناة شمس الكردية الجديدة الناطقة بالعربية مع السيد مسعود البارزاني.
إقرأ أيضاً: خيارات أحمد الشرع وإدارته
أما "قسد"، فهي رهينة الدعم الأميركي المشروط بمراعاة مخاوف الجانب التركي من تأجيج الصراع الإثني وتهديد أمنها القومي. الدلائل كلها تشير إلى أن تركيا هي من طلبت من حكومة إقليم كردستان التدخل لإقناع قسد بإلقاء السلاح والعودة إلى منازلهم.
هذا ما رأيناه في الأسابيع الماضية من خلال دعوة أردوغان رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني إلى تركيا، حيث اجتمع مع كل من وزير الخارجية هاكان فيدان وعدد آخر من المسؤولين الأتراك قبل لقائه بالرئيس التركي، ثم العودة حاملاً في جعبته جملة من الإيعازات التي عليه إيصالها إلى قوات سورية الديمقراطية.
إقرأ أيضاً: المواطَنة السورية أم المواطَنة العربية السورية؟
ثم أُرسل حميد دربندي، المسؤول في الإقليم عن الملف الكردي في سوريا، إلى القامشلي، حيث التقى بقيادات المجلس الوطني الكردي وقيادة قسد. وتوجت هذه الجهود بلقاء السيد مسعود البارزاني مع قائد قوات قسد الجنرال مظلوم عبدي في أربيل.
التوافقات الكردية - الكردية هي آخر ما يهم تركيا إن حصلت أو لم تحصل، بل على العكس، فهي تحاول خلق مناخ تنافسي عدائي يجر الأكراد إلى تناحر في ما بينهم، ربما من خلال محاولة استدراج قوات "بشمركة روج"، التي قوامها حوالى خمسة آلاف مقاتل من الكرد السوريين الذين تم تدريبهم وتمويلهم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، لدخولهم تحت أيّ ذريعة كانت في ساحة الصراع.
ما تخشاه تركيا ليس السلاح فقط، بل وجود هذا السلاح للدفاع عن قضية عادلة لشعب عانى الاضطهاد والتهميش لعقود طويلة. لذلك هي لن تغيّر من سياستها العدوانية تجاه الكرد ولن توقف هجومها المباشر أو عبر وكلائها على المناطق الكردية. لكنها تفكر أكثر من مرة قبل أن تقدم على خطوة من شأنها التأثير سلباً على علاقتها الاستراتيجية مع أميركا.
إقرأ أيضاً: هل معركة دحر قسد هي التالية؟
ويبدو أنه حتى تاريخه لم تفلح تركيا في الحصول على الضوء الأخضر، لا من إدارة جو بايدن ولا من إدارة دونالد ترامب التي بدأت مهامها الرسمية. لكن رد ترامب لن يطول كثيراً، بل سرعان ما يتوضح الموقف السياسي الأميركي حيال الشرق الأوسط عموماً وشمال شرقي سوريا خصوصاً.
هذا أكيد، لأن ترامب ليس فقط رجل أعمال، بل رجل أفعال أيضاً. وقد اتخذ كماً من القرارات الهامة خلال أربعة أيام من بدء فترة توليه المنصب للمرة الثانية أكثر من مجمل القرارات التي اتخذها بايدن وسلفه الديمقراطي باراك أوباما معاً بأربعة أعوام.