ماذا يعني للمواطن السوري الإسراع في كتابة نصوص الدستور؟ وهل يعني الالتزام بنصوصه أن المواطن سيعيش في حرية وسلام، ملتزماً بالقوانين وبعيداً عن المظاهر المؤلمة التي ما زلنا نشاهدها، وللأسف؟ ماذا يأمل السوريون تحقيقه من هذا الدستور؟ وهل ستتحقق العدالة لشعب منكوب عانى من القهر والفاقة والجوع، وتعرض للقتل ودمار مسكنه الذي كان يأويه؟ ناهيك عن معاناته من التشرد، وطيّ صفحات من مآسيه، مثال الفقر المدقع والجوع والخنوع والإذلال والقهر، وصولاً إلى الاعتقال وأبواب السجون المفتوحة التي قهرت كبرياءه. إنه ذلك الإنسان البسيط الذي عاش طوال حياته معتمداً على نفسه، وعلى التقاط ررزقه بعيداً عن حياة التسول التي التصقت بالبعض ممن كانوا فلول النظام البائد.
الدستور بالنسبة إلى السوريين، بعد الخلاص من حكم الطغاة، ليس مجرد نص قانوني، بل هو عقد اجتماعي جديد يؤسس لمرحلة مختلفة تماماً في حياة الشعب السوري. إنه يحمل دلالات سياسية، إنسانية، وقانونية كبيرة، ويعتبر حجر الأساس لبناء دولة تحترم حقوق الإنسان، تكرّس مبدأ المواطنة، وتضمن العدالة للجميع.
بعد سنوات من الظلم والقهر، يمثل الدستور الجديد فرصة لتأسيس دولة تقوم على سيادة القانون بدلاً من سلطة الفرد أو الحزب الواحد. يُنتظر أن يكون الدستور في سوريا الجديدة مرآةً لتطلعات الشعب، يعكس إرادتهم الجماعية في بناء دولة تحترم الحريات الفردية والجماعية، وتحمي حقوق الإنسان.
الدستور ليس فقط وثيقة قانونية، بل هو وعد للسوريين جميعاً بأن أيام القهر قد انتهت، وبأن الدولة الجديدة لن تتكرر فيها ممارسات الإجرام والطغيان. بقدر ما يكون الدستور شاملاً ومعبّراً عن إرادة الجميع، بقدر ما يكون ضمانًا للانتقال إلى دولة حقيقية تقوم على مبدأ المساواة.
إنَّ التزام الشعب السوري بالدستور، سواء من خلال احترام القوانين المنبثقة عنه أو التمسك بمبادئه، هو الخطوة الأولى نحو تحقيق الاستقرار. ومع ذلك، الالتزام ليس مطلوباً فقط من المواطنين، بل الأهم أن تلتزم الدولة نفسها، بمؤسساتها وقادتها، بروح الدستور ونصوصه.
التجارب العالمية تؤكد أن النصوص الدستورية وحدها ليست كافية لضمان الحريات أو تحقيق العدالة، ما لم تُترجم إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع. لذلك، يتوقف نجاح الدستور على وجود نظام سياسي يحترمه، وسلطة قضائية مستقلة تضمن تنفيذه بعدالة ونزاهة.
إقرأ أيضاً: ما مبرر قمع الصحفيين في سوريا؟
بناء سوريا الجديدة ليس مهمة سهلة. الدستور، وإن كان بداية مهمة، يجب أن يُدعم بإصلاحات شاملة تمسّ جميع مناحي الحياة. الحرية والكرامة والعدالة لن تتحقق بمجرد كتابة نصوص جميلة على الورق، بل من خلال:
إصلاح مؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع، من أعلى سلطة في البلاد إلى أبسط مواطن، خاضعين للقانون، ناهيك بحماية حقوق الإنسان متمثلة بحرية التعبير، التجمع، والمشاركة السياسية دون خوف من القمع. فضلاً عن محاربة الفساد. الدستور وحده لن ينقذ البلاد إذا استمرت شبكات الفساد في نهب موارد الدولة وإضعاف المؤسسات.
ما يأمله السوريون ليس فقط دستوراً يضمن حقوقهم، بل تطبيقاً فعلياً لهذه الحقوق. العدالة والمواطنة تعني أن كل فرد في سوريا، بغض النظر عن دينه، عرقه، أو خلفيته السياسية، له الحق في حياة كريمة ومشاركة عادلة في بناء مستقبل البلاد.
إقرأ أيضاً: جواز السفر.. وثيقة القهر السوري اليومية
سوريا الجديدة، كما يحلم بها السوريون، ستكون دولة تُحترم فيها كرامة الإنسان، ويشعر فيها المواطن أن حقوقه محفوظة، وأن له صوتاً مسموعاً. العدالة لن تتحقق إلا إذا تم محاسبة مرتكبي الجرائم في الماضي، وضمان عدم إفلات أحد من العقاب، مهما كان موقعه أو سلطته.
رغم المآسي التي عاشها السوريون لأكثر من ستين عاماً، الأمل في سوريا جديدة ليس مجرد حلم بعيد. هو هدف واقعي يتطلب عملاً مشتركاً من الجميع.
كتابة دستور عادل، بناء مؤسسات قوية، تحقيق المصالحة الوطنية، وضمان العدالة. حينها فقط، يمكن للسوري أن يعيش بحرية وكرامة، بعيداً عن الصور المؤلمة التي طغت على حياته لعقود.
إقرأ أيضاً: كارتر.. رمز العدالة الاجتماعية والسلام
الدستور ليس النهاية، بل البداية لمسار طويل يتطلب تضحيات، صبراً، وجهوداً مستمرة من الشعب السوري بأسره لتحقيق الحلم بسوريا جديدة، حرة، وعادلة.