في ردهات مبنى كان مصنعاً للملابس الجاهزة، تعكس مجموعة ماراموتي الفنية الخاصة اهتماماً عميقاً بالفن الإيطالي التقليدي، وبتعبيرية الفن الألماني الحديث، والمنمنمات الأميركية.
إيلاف: حين فكر أكيلي ماراموتي، رجل الأعمال الإيطالي ومؤسس مجموعة ماكس مارا للملابس الجاهزة، في تجميع أعمال تمثل أمهات الفن المعاصر منذ سبعينيات القرن الماضي، كان همه الأول أن يفتح أبواب هذه الحقبة الغنية بالفن والفنانين أمام الجميع، تقديراً منه لجماليات ذلك الفن وفكره. وحتى عام 2000، عرض بعض مقتنيات هذه المجموعة في ممرات ومساحات مشتركة في مقر مجموعة ماكس مارا، لترسيخ التبادل الغني والمستمر بين الإبداع الفني والتصميم الصناعي.
لوحة بعنوان Family Plot (مخطط عائلي) بريشة الفنان روس بليكنر ضمن مجموعة ماراموتي الخاصة
ربما هذا هو السرّ من وراء تحويل المبنى الذي خصص لإنتاج الأزياء إلى مقر دائم لمجموعة ماراموتي الفنية الخاصة، أو لما يعرف بالإيطالية Collezione Maramotti. فهذا المقر يبدو متوارياً – بالمعنى المجازي للكلمة – بضواحي المنطقة الصناعية في ريجو إيميليا بإيطاليا.
في ردهاته، تعكس هذه المجموعة الخاصة، التي أتيحت للجمهور منذ عام 2007، اهتماماً عميقاً بالفن الإيطالي التقليدي، وبالتعبيرية التي تميز بها الفن الألماني الحديث، وبالمنمنمات الأميركية.
لوحة بعنوان The Houses Are Going Downhill (المنازل تتجه نزولاً) بريشة الفنان إنزو كوتشي ضمن مجموعة ماراموتي الخاصة
اليوم، حين نزور مجموعة Collezione Maramotti، نجد فيها نحو 220 عملاً فنيًا، تعود لأكثر من 70 فنانًا، بما فيها لوحة Study for Portrait of Lucian Freud (دراسة لصورة لوسيان فرويد) التي رسمها فرانسيس بيكون في عام 1963، ولوحة Grande Ferro (السكة الحديد الكبيرة) بريشة ألبيرتو بوري في عام 1961، وتجهيز Rocks and Stones (صخور وحجارة) من إبداع توني كراغ في عام 1986، ولوحة Concetto Spaziale (مفهوم الفضاء) التي ابتكرها لوتشيو فونتانا في عام 1958 وهي عبارة عن قماش مشطوب بالسكين في وسطه، والعمل الفني Merda d'artista (فضلات الفنان) من ابتكار بييرو مانزوني في عام 1961، والعمل الفني Igloo (كوخ الجليد) من ابتكار ماريو ميرز في عام 1965، ولوحة Il Papa (البابا) للفنان لويجي أونتاني والتي رسم فيها نفسه في عام 1980 مرتدياً زي الحبر الأعظم، وسلسلة لوحات Teste di morte (رؤؤس الموت) بريشة ميمو بالادينو في عام 1985، ولوحة The Plate Smashers (محطمو الأطباق) التي أبدعها جوليان شنابل في عام 1986، وفيديو The Greeting (الاستقبال) من إبداع بيل فيولا في عام 1995.
لوحة بلاعنوان بريشة الفنان كريستوفر وول ضمن مجموعة ماراموتي الخاصة
إضافة إلى المجموعة الدائمة، تستضيف Collezione Maramotti أيضًا برنامجًا منتظمًا للمعارض المؤقتة، التي تركز في أحيان كثيرة على عرض أعمال فنانين ناشئين ومحترفين، اللوحة بجنب اللوحة، في تقييم عالي النبرة لفن يحدد الاتجاهات الجديدة والمبتكرة في الفن المعاصر. ففي عامي 2020 و2021، عرضت المجموعة أعمالاً مختارة من ابتكار المعماري والمصمم الإيطالي كارلو مولينو، الذي اشتهر بتصميماته المثيرة والسريالية، وحمل المعرض اسم Mollino/Insides (مولينو/دواخل). وفي عامي 2022 و2023، أقيم في المجموعة معرض لأعمال الفنانة البريطانية إيما تالبوت، التي تستكشف لوحاتها ومنحوتاتها موضوعات شائكة، تتعلق بالجندر والجنسانية والهوية، تحت عنوان Emma Talbot: The Age (إيما تالبوت: العمر). في 30 يوليو الماضي، انتهى معرض No Home from War: Tales of Survival and Loss (لا عودة من الحرب: قصص نجاة وخسران) للمصورة الفوتوغرافية البريطانية أيفور بريكيت، التي وثقت بعدستها التكلفة البشرية للصراعات المختلفة في العالم. وفي 29 أكتوبر الماضي، افتتح معرض L'improduttiva (خمول) للفنانة الإيطالية جوليا أندرياني. وهذه الفنانة معروفة باستنباط أعمالها من الذاكرات الجماعية، ومن حقب تاريخية معرضة للنسيان، إذ تستعيدها وتحولها إلى تركيبات تصويرية معقدة، ما يساعد على حفظها في العقل البشري، وصونها من الضياع.
لوحة بعنوان The Western Sector (القطاع الغربي) بريشة الفنان بيتر هالي ضمن مجموعة ماراموتي الخاصة
جميل جداً أن يسير المرء في ممرات وردهات حسنة الإنارة، تعبق برائحة الزيت على القماش، وتحفل بألوان مشرقة، ويكاد يتعثر بتجهيزات معاصرة تحتل الزوايا والأركان. ولا مفر من الاعتراف بما للوقوف هنا من رهبة: إنها تجربة شخصية مع كل فنان من هؤلاء، أكان قد رحل أم هو بعد حي يُرزق ويرسم... كأنك تعرفهم واحداً واحداً.
في هذه المجموعة، تعكس جائزة ماكس مارا للفنون النسائية علاقة ماكس مارا الوثيقة بعالمي النساء والفن. تُمنح هذه الجائزة كل عامين، وهي مفتوحة لأشكال الفن المختلفة، هدفها تشجيع الفنانات الناشئات اللاتي يعشن ويعملن في المملكة المتحدة ودعمهن. توفر الجائزة لهن فرصة لمواصلة تطوير إمكاناتهن الإبداعية من طريق إنشاء عمل فني جديد. تشرف على الجائزة وترأسها جيلان تواضروس، المدير الحالي لغاليري وايت تشابل، بعدما خلفت المديرة السابقة إيونا بلازويك، التي أسست الجائزة منذ إعلانها أول مرة في عام 2005. يعهد بكل نسخة من الجائزة للجنة تحكيم من أربعة أعضاء، يرشحهم مدير غاليري وايت تشابل: ناقد فني/كاتب، وفنان، وصاحب معرض، وجامع أعمال فنية. تحصل الفنانة الفائزة على إقامة ستة أشهر في إيطاليا لتنفيذ مشروعها، الذي يعرض في غاليري وايت تشابل، ثم تستحوذ عليه Collezione Maramotti.
لوحة فنية معاصرة ضمن مجموعة ماراموتي الخاصة
ربما إحدى السمات التي تميّز Collezione Maramotti من نظيراتها من متاحف الفن المعاصر هو التزامها جانب الإرشاد الفني: تقدم مجموعة منوعة من البرامج التعليمية لزوارها من جميع الأعمار، في تفانٍ يحاكي رؤية ماراموتي نفسه إلى الفن والإبداع، بوصفهما حقين من حقوق الإنسان، بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو الاقتصادية. وهذا الالتزام مكّن Collezione Maramotti من أن تنال اعترافاً جامعاً، بوصفها واحدة من أهم مجموعات الفن المعاصر في إيطاليا.
هذا المكان نابض بالحياة، على مدار الساعة. فالفن لا ينام، إنما يتميز بديناميكية تجعله محور الحياة كلها. وعلى الطريقة الغربية في الحث على الرؤية... It is a must see. نعم! إنه مكان لا غنى عن زيارته.