لم يَبقَ أحد إلا تحدث عن «الشرق الأوسط الجديد»، لكن لم يقدّم أحد من المتحدثين إشارة واحدة إلى هذا الجديد الذي نعيش معه منذ عصور. أول من استخدم المصطلح في الحقبة الأخيرة كان وزير الخارجية الأميركي الجنرال كولن باول. ولم يتغير في الشرق شيء... وقعت فيه الحروب كالمعتاد، وتفاقمت الأزمات، وتدهورت الاقتصادات، وزالت الجيوش، وقامت الميليشيات، وفاض النفط وغاض، وبرق الذهب ولمع... وبقي الشرق الأوسط على قدمه.
الحقيقة أن الذي تغير هو العالم. أوروبا تكاد تزول أمام أعيننا بوصفها قوةً سياسيةً تبدأ فيها الحروب العالمية، وفيها تنتهي. وإسرائيل تخوض 7 حروب من دون أن تربح واحدة. وأميركا تستخدم أحدث الأسلحة في التاريخ، فوق الأرض وتحتها، من دون أن تستطيع «رفع الخطر الوجودي» عن إسرائيل.
الشرق الجديد لا جديد فيه: براكين متنقلة؛ تتسع، وتضيق، وتهدأ، وتفور، وترقد، وتستعر. وأقوى رجل في العالم، مثلنا جميعاً، كلما تحدث عن سلام وشيك، رآه يتسلل من بين يديه. أطلق أساطيله الهائلة في البحار والمحيطات، وأرسل الـ«بي تو (B2)» تقصف بطون الجبال، ثم تمهّل وتأمّل فوجد جائزة السلام العالمي لا تزال بعيدة.
الشرق لم يتغير... من أزمة إلى حرب، إلى مأزق، إلى أسوأ. الذي تغيّر هو الحلبة. جبار واحد ولا مصارعون. والجبار لا يطيق أن يرى أحداً سواه في هذه المهمة الكبرى... لا يطيق أن يشاركه أو ينافسه أحدٌ على «أميركا العظيمة». لذلك؛ ليست دعوة إيلون ماسك لتأسيس حزب جديد سوى عملية «سخيفة»... بهذه الطريقة يخاطب كل مَن يقف في وجه رحلة الطريق السريعة إلى سلام العالم. والعالم صعب ومعقد، خصوصاً هذه البقعة التي تضم موكب النجاة الكبير بمهارة وأناة وعناية سيدنا نوح، كما تضم تاريخاً من الأعاصير والزلازل التي شكّلت هشاشة الإنسان، خصوصاً مَن كان قَدَره أن يسكن هذه المنطقة، التي تؤرخ أزمانها وعهودها بأسماء الفيضان، والطوفان... وكما كان يقال في النكات الشعبية «طريق السّد ما ترد».
اللهم أعنَّا على الجديد... كما أعنتنا على الذي قبله.