على السرير الأبيض في مستشفى بالظهران شرق السعودية، يرقد الأديب السعودي جبير المليحان، بعد أن تعرّض قبل أسابيع إلى جلطة دماغية، تركت أثراً بالغاً على قواه الجسديّة، وقدراته الحركية، ورغم استقرار حالته الصحية، فإنه يحتاج بشكل مُلح إلى تدخُّل تأهيلي متخصص، وذلك عبر مركز قادر على إعداد برنامج تأهيلي مُصمّم تحديداً لاحتياجاته وظروفه الصحية الفردية؛ ما دفع أصدقاءه من المثقفين والأدباء للتطلع إلى وزارة الثقافة التي لها باع طويل في خدمة الثقافة والمثقفين والنهوض باحتياجاتهم للاهتمام بحال هذا الأديب المعروف.
يحظى وزير الثقافة، ووزارة الثقافة بثقة كبيرة في أوساط الأدباء والمثقفين السعوديين، وثمة اطمئنان بأن الوزارة ووزيرها شديدو الحماس بقيام نهضة ثقافية عمادها الإنسان في بلادنا، ورعاية المثقفين والأدباء والعلماء وحفظ ماء وجوههم وصيانة كرامتهم من ربقة السؤال، ونستذكر هنا ما قاله الأديب الراحل جار الله الحميد الذي هبّ وزير الثقافة لمساعدته في محنته حين افترسه المرض، فكتب الحميد، بعد أن شكر الأمير قائلاً: «لا خوفَ على المثقفين بعد اليوم بعد أن أثبت سموه - بالفعل لا بالأقوال - اهتمام الدولة والوزارة بهم».
بالنسبة لجبير المليحان، فهو أيقونة من المثابرة والنشاط في خدمة الأدب والثقافة، وهو صاحب أكبر حاضنة للقصة العربية.
في قرية «قصر العشروات»، جنوب حائل، وُلد القاص والأديب السعودي جبير المليحان، (1950) من أبٍ امتهن الفلاحة والزراعة، وأمّ كانت تنظم الشعر، وكان يدرس صباحاً، ويعمل في الحقل مساءً، وكثيراً ما كان يستريح تحت ظل شجرة أو عند كومة قشّ، ليكتب نصّاً أدبياً ظلّ يلاحق به الصحف ليظفر بفرصة للنشر، وعلى مدى أكثر من 5 عقود، حمل جبير المليحان قلمه ليكتب الحكايات، وينسج قصصاً مشحونة بطاقة انفعالية وجمالية ممتعة، وصياغة لغوية باذخة، وظلّ الفتى الحائلي في صباه يكتب الخواطر بين الحقل والساقية، وما فتئ يفتّش عن منصة يسرد من خلالها إبداعاته.
وفي مرحلته المتوسطة نشر له الأديب الكبير محمد العليّ أول نصّ قصصي، وبالمناسبة فـقد كان هناك ما يربط بين محمد العلي وجبير المليحان، فصاحب «لا ماء في الماء» استوقفته تجربة المليحان القصصية «الوجه الذي من ماء»، ونص «الماء... الماء... الماء»، كما عمل في الصحافة قبل وأثناء عمله في التعليم.
لكنّ التجربة الأدبية الأبرز في حياته، حين أسس حاضنة إلكترونية للقصة القصيرة كانت هي الأكبر من نوعها في العالم العربي، وراح ينشر عبر موقع (القصة العربية) الإلكتروني إبداعات القاصين العرب، وصار هذا الموقع يضم نحو 2000 أديب وقاص يمثلون 21 دولة عربية، ولديه مخزون من السرد يتجاوز 18 ألف نصّ قصصي، وعدد المشتركين يتعدى العشرين ألفاً، وأصبح هذا الموقع مشروعاً ومنتدى للمبدعين في هذا المجال، ينشر النصوص، ويحظى أصحابها بالقراءات النقدية وتبادل الخبرات والتواصل الثقافي بين المبدعين العرب، وتبنى هذا الموقع جيلاً من المبدعين الشباب أصبحوا معروفين، ونالوا الجوائز على أعمالهم السردية، وهو موقع تطوعي لا يتلقى دعماً من أحد.
شغل جبير المليحان رئاسة نادي الشرقية الأدبي فترة من الزمن، وهي من أكثر الفترات إشراقاً في تاريخ هذا النادي، ولكن جهده انصبّ خلال تلك الفترة لتطوير اللائحة الأساسية للأندية الأدبية، كرّمه وزراء الثقافة لدول مجلس التعاون الخليجي في الحفل السنوي لتكريم المبدعين في دول المجلس، كما كُرّم في الباحة والرياض، وحصل على جائزة وزارة الثقافة للكتّاب «فرع الرواية» عن روايته «أبناء الأدهم» عام 2017.
الحالة الصحيّة التي يمرّ بها جبير المليحان، أو أي أديب ومثقف وإعلامي سعودي، تذكر بالحاجة إلى الالتفات إلى الأدباء والمبدعين السعوديين، وتفقد شؤونهم، خصوصاً حين يصابون بمحنة كالمرض، وربما أصبح لزاماً أيضاً تفعيل «صندوق» يُعنى بهذه الفئة المبدعة ويحفظ حقها وكرامتها، ففي المجتمعات الحيّة تصبح صناعة الوعي مهمة سامية، يحظى أصحابها بكل حقوق التكافل الاجتماعي النظامي والقانوني الذي يتيح لهم حفظ كرامتهم الإنسانية.
كثيراً ما جبر جبير المليحان خواطر المبدعين الشباب باحتضانه وتشجيعه لمواهبهم، وعلى الدوام كان طاقة إيجابية في الوسط الثقافي، وهو اليوم بحاجة إلى يدٍ كريمة تمتدّ لتجبر كسره، وتساعده على تخطي آثار مرضه، ومعها تجبر خواطر أهل الأدب والثقافة الذين يرون في جبير المليحان صورتهم وتطلعاتهم.