محمد بن عيسى الكنعان
تقول إحدى الصحافيات الأمريكيات المرموقة إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يُقدّم محاضرات أو تصاريح عن زيارته للخليج كما كان متوقعًا، إنما يتحدث إلى واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى، وهي المملكة العربية السعودية. الرئيس ترامب يُدرك وهو رجل سياسة واقتصاد، والرجل الأول في سلطة أقوى دولة بالعالم ماذا تعني السعودية؟ وما دلالة أن تكون الرياض الوجهة الأولى في برنامج زياراته الخارجية.
نعم ترامب جاء لأجل الصفقات الاستثمارية، وهذا طبيعي في علاقات الدول ببعضها ورعاية مصالحها الثنائية، لكن السؤال الذي تستعصي إجابته على مرتزقة الإعلام، والإعلام المعادي النابح، لماذا جاء إلى دول الخليج، وتحديدًا المملكة، وعقد قمتين سعودية، وخليجية على مستوى منطقة الشرق الأوسط؟ لأنه يُدرك ابتداءً أن السعودية الدولة الأكثر استقرارًا، والأفضل تنميةً، والأوفر فرصًا، والأوثق تعاملًا، والأعمق تاريخًا، والعلاقة معها استراتيجية منذ أكثر 90 عامًا. وأيضًا لأنه يعي بحكم خبرته الاقتصادية والاستثمارية العريقة أن لغة العالم اليوم هي الاقتصاد، وأن الاقتصاد لا يمكن أن ينمو ويزدهر إلا في بيئة استثمارية جاذبة، وتتمتع بكل المقومات والموارد والتشريعات في إطار نظام سياسي مستقر، ووضع اقتصادي متين، وشعب حيوي، وفاعل، ومتطلع إلى المستقبل كالشعب السعودي؛ فضلًا عن الامتيازات الخاصة التي تتمتع بها المملكة من كونها عضو مجموعة العشرين، بل أسرع دول المجموعة نموًا، وهي اللاعب الرئيس في أسواق الطاقة وقائدة (أوبك)، وهي محور القرار العربي، ناهيك عن مكانتها الدينية في قلب العالم الإسلامي، ما يجعل كلمتها معيارًا، وتوجهاتها مسارًا.
وبالنظر إلى مجمل المشهد في زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمملكة نلحظ مسألتين مهمتين تعكسان المكانة العالمية للسعودية وريادتها الإقليمية، فالسعودية اليوم تُعيد كتابة التاريخ بلغة الاقتصاد، وقوة التأثير في قضايا المنطقة ككل. فلقد كشف منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، الذي عُقد على هامش الزيارة الترامبية، مساء يوم الثلاثاء 13 مايو 2025م أن فرص الشراكة السعودية الأمريكية تقدر بـ(600 مليار دولار)، من بينها اتفاقيات بقيمة تزيد على (300 مليار دولار) تم الإعلان عنها خلال هذا فعاليات المنتدى؛ وسيعمل البلدان خلال المرحلة المقبلة على إتمام بقية الاتفاقيات لرفع الشراكة إلى تريليون دولار؛ حيث شملت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة قطاعات استراتيجية ومجالات حيوية، من أبرزها الدفاع، والفضاء، والصحة والرعاية الطبية، والنقل الجوي، والطاقة والتعدين، والتقنية والذكاء الاصطناعي، والتعاون في المجالين القضائي والأمني، ما يعزز المنافع المتبادلة بين البلدين، ويدعم فرص التوظيف بالمملكة، ويسهم في دعم جهود توطين الصناعات، وتنمية المحتوى المحلي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، خاصةً أن عدد الشركات الأمريكية سواءً العاملة بالمملكة والمستثمرة فيها قرابة 1300 شركة، تشكل تقريبًا ربع حجم الاستثمار الأجنبي، منها 200 شركة أمريكية اتخذت من المملكة مقرًا إقليميًا لها.
أما على مستوى قوة التأثير فليس غربيًا أن يكون للقضايا العربية نصيب وافر من الجهود السعودية؛ فقد نجحت المملكة بفضل الله، ثم حكمة قيادتها الرشيدة في رفع العقوبات الأمريكية عن الجمهورية العربية السورية، ما منح هذا البلد العربي الشقيق المنهك بالأوجاع فرصة تاريخية للنهوض والتقدم والنمو، وأن يأخذ مكانه الطبيعي في منظومة الدول الفاعلة والمنتجة بالشرق الأوسط. إن القرار الأمريكي برفع العقوبات بناءً على طلب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- ثم لقاء الرئيس الأمريكي بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض عاصمة القرار العربي يؤكدان المكانة المرموقة للمملكة، وقوة تأثيرها لدى صانع القرار في أقوى دولة بالعالم. كما يُبرهن على أن للمملكة الدور المحوري في القضايا العربية المصيرية، وأن ثقلها السياسي يُغير المعادلة، ويعزز الجهود العربية كما حدث عندما اتخذت المملكة موقفها الحازم والرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة فكان هذا الموقف هو حجز الزاوية في كل المواقف السياسية التي اتخذتها الدول العربية بهذا الشأن. وقس على ذلك بقية قضايانا العربية والإسلامية كما في السودان ولبنان والنزاع الهندي - الباكستاني، وغير ذلك.