عبداللطيف آل الشيخ
تتسارع التحوّلات، وتتشابك التحديات مع الفرص، وتبرز القياداتُ الاستثنائية التي تُمَثِّلُ جسراً بين الماضي والمستقبل، وتصنعُ من قراراتها نهضةً تنطلق من رؤيةٍ ثاقبةٍ وإرادةٍ لا تلِين.
وفي قلب هذه التحوّلات، يقفُ صاحبُ السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي، نموذجاً للقائد الذي حوَّلَ صناعةَ القرار من عمليةٍ روتينيةٍ إلى فَنٍّ استراتيجيٍ يُجسِّدُ حكمةَ التخطيط، وجُرأةَ التنفيذ، وحِسَّ المسؤولية التاريخية.
لا تُصنع القرارات الناجحة في فراغ، بل تنبثق من رؤيةٍ واضحةٍ تُحدِّدُ الاتجاه، وتُصاغُ بمنهجيةٍ علميةٍ تُوازن بين طموحات المستقبل وواقع الحاضر. وهنا تكمنُ القيمةُ الجوهرية لرؤية 2030، التي لم تكن مجرد خطةٍ تنمويةٍ، بل فلسفة شاملة أعادت تعريفَ الأولويات الوطنية، ورسّخت مفهومَ «التغيير الاستباقي» القائم على قراءةٍ عميقةٍ للتحديات العالمية، واستشرافٍ دقيقٍ للفرص.
فالقراراتُ الكبرى التي اتُّخذت في ظل هذه الرؤية -والمُتمثلة في إطلاق مشاريع تنموية عملاقة، وإصلاحاتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ- لم تكن ردودَ أفعالٍ آنيةٍ، بل ثمرة لرؤيةٍ طويلةِ المدى تضعُ الإنسانَ في القلب، وتستندُ إلى مقومات الوطن الهائلة.
لقد فهم سموه أن صناعةَ القرار الناجح تبدأ من تحديدِ «لماذا» قبل «كيف»، فكانت الاستدامةُ والمرونةُ هما المعيارُ الذي يُقاسُ به نجاحُ أيِّ سياسةٍ أو مبادرةٍ، مما جعلَ القرارات السعودية تتسمُ بالعمقِ الاستراتيجي، والقدرةِ على تجاوزِ النظرةِ الضيقةِ لتحقيقِ المصلحةِ العليا.
لا يقتصرُ نجاحُ القرار على دقّتهِ في التوقيتِ أو صِحّةِ مضمونِه فحسب، بل بمدى مرونته في التعامل مع المتغيرات الطارئة، وفي عالمٍ يعجُّ بالأزماتِ غير المُتوقعةِ -كجائحة كورونا، والتقلباتِ الاقتصادية العالمية- برزت حكمةُ القيادة السعودية في تبني منهجيةٍ تقومُ على «الاستجابة الذكية»، حيث تحوّلت التحدياتُ إلى محركاتٍ للابتكار، وفرصٍ لتعزيزِ الاكتفاء الذاتي، وتنويعِ مصادر الدخل.
إنَّ قراراتٍ مثل تعزيزِ الاستثمار في القطاعات غير النفطية، أو تبني سياساتٍ بيئيةٍ طموحةٍ، أو دعمِ ريادة الأعمال، تعكسُ فهماً عميقاً لطبيعة المرحلة التاريخية، وقدرةً على تحويلِ العقباتِ إلى نقاطِ تحوّلٍ. كما أنَّ إدراك سموه لضرورةِ التكيُّفِ مع المتغيرات الدولية، دون التفريطِ في الثوابتِ الوطنية، يجسّدُ نموذجاً فريداً لصناعةِ القرار الذي يجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرة.
من أسرار نجاح القيادات العظيمة إيمانُها بأنَّ صناعةَ القرار ليست عملاً فردياً، بل عملية تشاركية تستندُ إلى حكمةِ الجماعة، واحتياجاتِ المجتمع. وقد أدرك الأمير محمد بن سلمان أنَّ تمكينَ الإنسان السعودي -بكل فئاته- هو الركيزةُ الأولى لأي قرارٍ ناجحٍ، فكانت برامجُ تنميةِ القدرات البشرية، ودعمِ الشبابِ والمرأة، ورفعِ جودةِ الحياةِ، تعبيراً عن فلسفةٍ تؤمن بأنَّ القراراتِ لا تُفرضُ من الأعلى، بل تُبنى من خلالِ حوارٍ وطنيٍ يُشركُ الجميع في صياغةِ المستقبل.
كما تجلّى هذا النهجُ التشاركي في تعزيزِ الشفافيةِ والحوكمةِ، حيث أصبحت صناعةُ القرار أكثرَ انفتاحاً على الرأي العام، وأكثرَ استجابةً لتطلعات المواطنين، مما عزّز الثقةَ بين القيادةِ والشعبِ، وأرسى ثقافةَ المساءلةِ التي تُعدُّ ضمانةً لاستمرارية النجاح.
لا يقتصرُ تأثيرُ القرار الناجح على نتائجه الماديةِ فحسب، بل بمدى قدرته على تحفيزِ المجتمعِ، وصنعِ سرديةٍ وطنيةٍ تُلهِمُ الأجيالَ، وهذا ما تميزت به قراراتُ الأمير محمد بن سلمان، التي حوّلت مفهومَ «المواطنة» من انتماءٍ جغرافيٍ إلى مشاركةٍ فاعلةٍ في كتابةِ التاريخ.
فمشاريعُ الرؤيةِ العملاقة، والإصلاحاتُ الاجتماعيةُ، والتحوُّلُ الرقميُ، لم تكن مجردَ خططٍ تنفيذيةٍ، بل جزء من حكايةِ وطنٍ يعيدُ اكتشافَ ذاته، ويصنعُ مستقبلاً يُحاكي أحلامَ أبنائه.
لقد نجح سموه في تحويلِ صناعةِ القرار إلى فعلٍ ثقافيٍ يُعيدُ تعريفَ الهويةِ الوطنيةِ في عصرِ العولمةِ، حيث أصبحت السعوديةُ -بقراراتها الحكيمة- نموذجاً للدولةِ التي تحترمُ تراثَها دون أن تُقيدَه، وتنفتحُ على العالمِ دون أن تفقدَ جوهرَها.
الأمير محمد بن سلمان لم يكتبْ فصولَ التحوّل السعودي بقراراتٍ فرديةٍ، بل بصناعةِ منهجيةٍ جديدةٍ لفنِّ القيادةِ، تقومُ على ثلاثيةِ الرؤيةِ والمرونةِ والشراكةِ.
إنَّ نجاحَ أيِّ قرارٍ -في فلسفة سموه- يُقاسُ بقدرته على تجاوزِ الزمنِ الراهنِ، وخلقِ تأثيراتٍ تمتدُّ لأجيالٍ قادمةٍ.
إذا كانت الدولُ العظيمةُ تُبنى بقراراتٍ شجاعةٍ، فإنَّ السعوديةَ اليومَ -بقيادتها الحكيمة- تُقدّمُ للعالمِ درساً في كيفيّةِ تحويلِ التحدياتِ إلى سُفُنٍ تبحرُ نحو آفاقٍ لا تُحدُّها إلا إرادةُ شعبٍ وقيادةٍ تؤمن بأنَّ صناعةَ القرار الناجح ليست لحظةً عابرةً، بل تراكمٌ حكيمٌ لاختياراتٍ تصنعُ مصيرَ الأممِ.