ليلى أمين السيف
في زمنٍ تُعبَّأ فيه الجاذبية في حقنة، وتُصفّى ملامح الوجه كما تُصفّى القهوة من الرواسب، ما زلتُ أؤمن بقشور الأفوكادو والبطاطا وما تبقى من الطماطم.
نعم، هي تلك القشرة التي ألصقها على وجهي لربع ساعة وأشعر بعدها أني أصبحت أقرب إلى «كيت ميدلتون» أو على الأقل إلى كيت أبو دراع، جارتنا التي تشرب مغلي الكركم كل صباح وتؤمن أن الملح الخشن يطرد الطاقة السلبية والجار السيئ معًا.
صباحي.. وتراتيل ما قبل المرآة
«على الريق»، ذلك الوقت المقدّس الذي أمارس فيه طقوسي الطبيعية بكل احترام وجديّة. لكنّ ابنتي الصغرى، تقف أمامي وتقول
«ماما، شكلك مثل المشعوذات؟ متى بتاخذي كل هالأشياء عالريق؟ بتبدي بايش وبتنتهي على أيش؟»
التين المجفف بزيت الزيتون، والا التمر مع اليانسون، والشمر، ومتى بتحطي رشة الكركم، والا مشروب قشر القهوة بالزنجبيل والقرفة.
«تانيا»... في عيادة لا تنام
تانياً، صديقتي منذ الطفولة، تحوّلت إلى نشرة تجميلية متنقلة. إذا أردتِ معرفة سعر البوتوكس في خمسة بلدان، ما عليكِ إلا أن ترسلي لها قلبًا أحمر.
دخلت عليّ يومًا وأنا أضع قشر الأفوكادو على خدي، فشهقت وكأنني أستخدم فحمًا بدل الكونسيلر:
«يعني بعد كل التطور، لسه مع قشرة بطاطا؟ البنات صاروا يرجعوا من العيادة بوجوه جديدة، وانتي لسه ترهقي حالك بقشر الفواكه وبقايا الخضار ورواسب القهوة وصفار البيض وماسكات السدر؟ وكل مشكلة لك عندها حل كأنك «عبده العطار».
فأجبتها بابتسامة حنونة
«الحلو حلو ولو صحا من النوم، والوحش وحش ولو استحمى كل يوم»
فالجمال الحقيقي في القبول، وليس في حُسن الواجهة فقط ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر لذلك أواظب على أعشابي وقشوري كما علمتني أمي شافاها ربي وعافاها.
معايير جمال صناعية.. ومجتمع لا يرحم
نحن لا نعيش فقط بين قشور البطاطا والأفوكادو.. بل نعيش في «بيئة تُغذّى يوميًا بمعايير جمالية صناعية»، تفرضها وسائل التواصل والإعلام، حتى صار الشكل الخارجي هو العملة الرسمية للقيمة الاجتماعية.
وهنا تنشأ مفارقة مرة: المجتمع يصفّق للمثالية الشكلية، ثم يجلد من يحاول الوصول إليها عبر التجميل، ثم يسخر مِن مَن يظهر على طبيعته. وكأن القبول أصبح مسابقة شروطها مستحيلة، وجائزتها.. تعليق ساخر أو ابتسامة متعجرفة.
من تُجري تجميلاً تُوصم بالمزيَّفة. من لا تُجري تُرمى بالإهمال. من تستخدم فلتر تُتّهم بالخداع. من لا تفعل، تُوصف بأنها «ما عندها حضور». والنتيجة؟ نحن محاصرون في مصيدة يُسمّونها «المعايير» ولا أحد يعترف بها. وفي وسط هذا الطوفان، نقف متسائلين:
«إيش تعمل الماشطة في الوجه العكر؟»، فكل تجميل أو فلتر ما هو إلا محاولة يائسة لإخفاء ما لا يُخفيه العقل ولا القلب.
أما نفسيًا، فالمصيبة أعمق: تنشأ فينا طبقة خفية من «العار الجمالي»، حيث يبدأ تقييم الذات منذ الطفولة، من عيون الأهل، ومن لسان صديقة قالت مرة: أنفكِ كبير. أو جارة تصف ابنة إحداهن أنها جميلة مع إنها سمراء وكأن السمار عيب.
فنكبر.. ونطارد رضا الآخرين. نلهث خلف وهم القبول. نضحك وعدسة الكاميرا موجهة إلينا، لا لنُخلد الذكرى.. بل لنُرضي المتابعين.
ممرات التجميل.. وهل يعود الداخل كما خرج؟
التجميل بات سوقًا تبتلع النساء كما تبتلع المقلاة الزيت. كل شيء قابل للحقن، وكل عيب صغير صار يحتاج ثلاث جلسات، و»تعديل ملامح» صار اسمه «تحسين جودة الحياة».
رأيت من تنفق في جلسة واحدة ما يعادل نفقات أسرة كاملة، ورأيت من جعلت راتبها مخصصًا لتمويل خدودها. إنها دهاليز لا تُغلق، ومشروع صيانة مفتوح مدى الحياة.
ولا مانع من القليل من الرتوش، من لمسة خفيفة تُشعركِ بالرضا، لكن أن نغرق في وهم التجميل، وننسى أن جمالنا يبدأ من الداخل؟ فذلك كما لو أننا نطلي واجهة بيت آيل للسقوط.
خاتمة تفتح الأبواب على مصراعيها
وفي عالمٍ يُباع فيه الجمال كسلعة سريعة الاستهلاك، تبقى الأسئلة الحقيقية التي لا يُجيب عنها أحد:
هل نحنُ فعلاً أجمل عندما نُعدّل ملامحنا، أم أننا نبتعد أكثر فأكثر عن ذواتنا؟
هل الجمال هو وجه بلا تجاعيد، أم روح تحمل قصص الحياة مكتوبة بخطوط الزمن؟
ربما حان الوقت لنتوقف عن مطاردة قشرة أفوكادو مثالية، ونحتفل بقشورنا الحقيقية: تجاعيدنا، ضحكاتنا، حتى زلاتنا.
لأنّ في كل خط على وجهنا.. قصة تستحق أن تُروى، وفي كل نقص.. جمال لا يعوّضه أي فلتر أو حقنة.
فهل نختار أن نعيش مع قشورنا، أم نلهث وراء سرابٍ لا نهاية له؟
وفي النهاية، الجمال الحقيقي.. هو أن نكون صادقين مع أنفسنا، مهما بدا ذلك «غير مثالي».