: آخر تحديث

المشترك في العلاقات الخليجية - الإيرانية

4
3
3

د.صلاح الغول

مثَّلت الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على إيران ورد الأخيرة بهجمات مضادة على إسرائيل أكثر اللحظات اضطراباً في إقليم الشرق الأوسط المضطرب أصلاً، وأكبرها تهديداً لأمن الخليج العربي وأمن دول مجلس التعاون الخليجي فرادى منذ نهاية الحرب الباردة. وقد أدانت دول المجلس الهجوم الإسرائيلي على إيران واستنكرت –بدرجاتٍ متفاوتة– الضربات الأمريكية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، معتبرةً إياها انتهاكاً خطيراً لسيادة إيران وتهديداً لأمن المنطقة ولا ترغب دول الخليج أو إيران في انهيار وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه في 24 يونيو (حزيران) المنصرم، والعودة إلى المواجهات المباشرة بين طهران وتل أبيب. وبرغم مرارة الهجوم الإيراني «الرمزي» على القاعدة الأمريكية في قطر، في 23 يونيو (حزيران) الفائت، يبدو أنّ أهم دروس الحرب الإسرائيلية-الإيرانية هو الحاجة لإعادة هيكلة العلاقات بين ضفتي الخليج، بما لا يجعل هذا الحدث عائقاً أمام اتجاه التقارب الذي اختبرته العلاقات الخليجية-الإيرانية قبل الحرب والذّي نعتقد أنه الضامن الأساسي لأمن الخليج. وعلى عكس مفاوضات 2015 التي أفضت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، تتقاطع رغبة إيران مع رغبة دول الخليج في التوصل إلى اتفاقٍ نووي جديد يقي المنطقة مزيداً من الاضطراب وعدم الاستقرار جراء احتمال تجدد المواجهة الخطِرة بين إيران (وحلفائها) من ناحية والولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى، فبالإضافة إلى المساعي الحميدة التي تبذلها سلطنة عُمان بين الولايات المتحدة وإيران، هناك دور إماراتي وسعودي في تسهيل تبادل الرسائل والاتصالات وتهدئة المواقف بين الطرفين. والواقع أنّ استمرار التواصل الدبلوماسي بين دول الخليج وإيران ضروري للحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة ومعالجة الهواجس المشتركة ويمثل نهجاً عملياً لتخفيف التوترات ومنع التصعيد وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ولكن استمرار الانخراط الدبلوماسي يتضمن أن تتحول إيران إلى دولة طبيعية تقيم علاقات طبيعية مع جيرانها وأن تتخلى عن سلوكها السابق المزعزع للاستقرار الإقليمي والذي طالما تسبب في أزمات دبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي. لقد أعادت حرب إيران-إسرائيل رسم الاصطفافات الإقليمية، إذ بات الانقسام التقليدي بين السنة والشيعة يتلاشى تدريجياً أمام إدراك مشترك للتهديد، فإسرائيل، المدعومة من الولايات المتحدة، تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة ورسم حدودها الجيوسياسية، في مسعى وصفه البعض بأنه محاولة لفرض «سلام عبري» (Pax Hebraica) وهنا تتقاطع مصالح دول الخليج وإيران في كبح هذه الطموحات الإسرائيلية، كأنّ ثمة توافقاً بين دول مجلس التعاون وإيران في رفض أي شكل من أشكال الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.كما تتقاطع مصالح إيران ودول الخليج في مواجهة سردية «صدام الحضارات»، التي تفترض حتمية الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي وقد رفض الطرفان، كلٌ على حدة، هذه النظرية وتبعاتها ولا يزالان ملتزمين معاً بالدفاع عن ثقافاتهم والتصدي للتوجهات الغربية التي تُمعن في شيطنة شعوب الشرق الأوسط والمسلمين. وترتبط دول الخليج وإيران كذلك بروابط تاريخية وثقافية ودينية عميقة توحّد بين ضفتي الخليج ويعيش في دول مجلس التعاون نحو 900 ألف إيراني، بمن فيهم العرب الإيرانيون، كما أن العديد من المواطنين العرب في الخليج تعود أصولهم إلى إيران وفي المقابل، يشكّل العرب نحو 2–3% من سكان إيران ويُقدَّر أن نحو 10% من الإيرانيين مسلمون سنّة، يشتركون في المذهب مع معظم مواطني الخليج وقد عزّزت قرون من المصاهرة هذه الروابط الاجتماعية. ومن الناحية الاستراتيجية، تتقاطع مصالح إيران ودول الخليج في قضايا أمن الملاحة البحرية والطاقة والتجارة ويتمثل أحد أبرز المصالح المشتركة في تأمين الممرات البحرية الحيوية لصادرات السلع والطاقة، التي يعتمد عليها الطرفان بشكلٍ كبير وعلى الرغم من أن إيران وحدها هي التي تصدر تهديدات بشأن الملاحة البحرية من حين لآخر، بل إغلاق مضيق هرمز، كما حدث بعيد عملية «مطرقة منتصف الليل» الأمريكية على منشآت (فوردو ونطنز وأصفهان) النووية، فإن هذه التهديدات تركت آثاراً سلبية ليس فقط على اقتصادات دول الخليج، وإنما أيضاً على إيران وعلى التجارة العالمية عموماً. وتتشارك دول الخليج وإيران مصلحة استراتيجية في إنتاج وتسعير النفط والغاز ويمكنهما معاً أن يشكّلا مركزاً عالمياً للطاقة. كما أنّ إيران شريكٌ تجاريٌ مهمٌ لعدة دول خليجية، ولاسيما دولة الإمارات وسلطنة عمان. وثمة إمكانية لأن تصبح إيران ودول مجلس التعاون ممراً اقتصادياً محورياً يربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، ولاسيما عن طريق مشاركتهم في مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI). وترتبط الصين بشراكات استراتيجية شاملة مع إيران والسعودية ودولة الإمارات والبحرين، إلى جانب شراكات استراتيجية مع قطر وعمان والكويت والعراق، خاصةً في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار والبنية التحتية. والأهم من ذلك، تواجه منطقة الخليج تحديات بيئية مشتركة تشمل تغيّر المناخ، وندرة المياه والعواصف الرملية والترابية وفقدان التنوع البيولوجي وتلوث الهواء وتُعد المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (ROPME)، رغم كونها غير نشطة حالياً، الهيئة المشتركة الوحيدة المعنية بهذه القضايا، حيث تهدف إلى تنسيق جهود الدول الأعضاء (البحرين، إيران، العراق، الكويت، عمان، قطر، السعودية، والإمارات) لحماية جودة المياه والنظم البيئية البحرية في منطقة «بحر المنظمة»، والحد من التلوث الناتج عن الأنشطة التنموية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد