كلما تعرضت المنطقة إلى زلزال كالذي تعيشه اليوم، برزت في واجهة الصراع قضايا الأقليات، وأهمها وأعمقها الدروز. الاسم الرسمي «الموحدون الدروز». لا يعرف الآخرون الكثير عن المذهب الدرزي، لكن سلوك أهله وتقاليدهم وتعاملهم مع سائر الناس، يبيّن أنهم يحرصون لأنفسهم على صورتين. الأولى، تقدير وتقبّل الأفكار والمعتقدات، وخصوصاً الفلسفات اليونانية الأولى، والجوانب التسامحية في العقائد. والأخرى، صورة الكرامة وأهل العزم، وسيلةً لحماية الجماعة وإبعادها عن أخطار الضعف والتجارب.
لم يكن سهلاً الحفاظ على الصورتين، ولم يكن من بديل. وسعى كمال جنبلاط إلى الخروج من تصنيف الأقلية بأن تبنى الفلسفات الإنسانية الشاملة، وسرعان ما أصبح زعيم «الحركة الوطنية»، رغم الحجم العددي، وزعيم «الاشتراكية الإنسانية»، وهو المحسوب على الإقطاع.
هكذا، أصبح كمال جنبلاط، ومن بعده وليد جنبلاط، حجر الزاوية في البناء اللبناني السريع العطب، وحاول الأب، ومن بعده الابن، أن يذهبا بالدروز إلى أبعد من الجبل. وتجلّى هذا المسعى في أهم لحظاته في أيام القلق الأخيرة، عندما رأينا وليد جنبلاط، أول زعيم عربي، يعبر الحدود إلى سوريا للقاء الرئيس السوري الجديد، ولم يكن يعرفه أحد من العرب بعد.
في هذه الفوضى العارمة، تصرف وليد جنبلاط كرجل دولة بكل المعاني والمفاهيم. ونأى بنفسه وبالدروز إلى أقصى حد عن بلبلة الساعة، واضطراب المشاعر. وفي حين هاجت الغرائز، وغشيت الأبصار، خاطب هو الامتداد الروحي الدرزي. على أنهم وطن واحد لا مذهب واحد.
هكذا نظر الدروز إليه أيضاً. إنها أيام صعبة على الجميع، خصوصاً، على أهل الحكمة والرويّة. العلاقة بين الدروز والأرض، علاقة وجود واحد منذ قرون. الباقي محن عابرة، مرت بها المنطقة الحبلى أبداً بسوء المحن، وعشوائية التجارب.