: آخر تحديث

القيم السعودية الأصيلة

4
3
3

في قلب الصحراء، حيث ترسم الرمال رقعةً من الصبر وتصنع الشمس شعلةً من التحدي، نبتت قيمٌ عريقةٌ شكلت نسيجًا اجتماعيًا أسطوريًا. المملكة العربية السعودية، التي تُعيد اليوم اختراع ملامحها بخطى واثقة ضمن رؤية 2030، تُثبت أن التغيير العميق لا يعني قطع الجذور، بل تقويتها. فما الذي يجعل مجتمعًا يوازن بين ناطحات السحاب والإرث الثقافي العريق، بين الابتكار الرقمي وحكمة الأجداد، دون أن يفقد بوصلته؟ الإجابة تكمن في تلك القيم التي غرست لتُصبح حجر الأساس لدولةٍ تُعيد تعريف التقدم دون تفريط في أصالتها.

تُعد الكرامة من أبرز القيم السعودية، وهي لا تقتصر على ضيافة الغريب فحسب، بل تمتد إلى احترام الإنسان بغض النظر عن موقعه. يقول المثل العربي الشهير: "الضيف سفيرٌ بينك وبين الناس"، هذه الفكرة جذرت ثقافة الاستقبال الحار في المجتمع السعودي، حيث يُعتبر فتح الباب للمحتاج أو المستضيف واجبًا أخلاقيًا، ويكفي أن نذكر حديث الملك عبدالعزيز آل سعود حين قال: "لا نُفرق بين مواطن وآخر، فكلهم أبناؤنا وبلادنا واحدة"، ليُظهر كيف حوّلت القيادة هذه القيمة إلى سياسة اجتماعية تُعزز الوحدة الوطنية.

يُعرف السعوديون بسخائهم، سواء في محيط العائلة أو المجتمع أو حتى تجاه العالم الخارجي. تتجلى هذه القيمة في المبادرات الإنسانية الكبيرة، مثل دعم المملكة للدول المنكوبة أو الفقراء عبر منظمات الإغاثة. ويقول الشاعر: "إذا سألوك عن سخاء قومٍ، فقل: هم الذين يُطعمون الندى قبل الطعام". هذا العطاء ليس ترفًا، بل هو ترجمة عملية لتعاليم الإسلام التي تربط الإيمان بالبذل، كما في قوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".

رغم الحديث أحيانًا عن سلبية القبلية، إلا أن الولاء القبلي في السعودية يمثل عمودًا اجتماعيًا يُعزز التضامن. ففي أوقات الأزمات، يُصبح الفرد مدعومًا من عشيرته، سواء في الجانب المالي أو النفسي. يقول عنترة بن شداد، وهو مثال للوفاء القبلي: "أحنُّ إلى قومٍ إذا ما نابَ لي كربٌ، أتوسلُهم فما أُرى لي سُلوانًا". اليوم، تُعيد الدولة توظيف هذه القيمة عبر تشجيع العمل الجماعي والمبادرات المجتمعية، كمشروعات "العمل التطوعي" التي تجمع بين الأفراد حول قضايا مشتركة.

يعد التسامح والعدل من الركائز التي أسس لها الإسلام، وتبناها المجتمع السعودي كمنهج حياة. فالمجتمع الذي يعترف بخطئه ويصفح عن الآخرين يتجنب التوترات التي تُفكك النسيج الاجتماعي. ويُلخّص الشاعر محمد بن مفتاح الفوزان هذه الفكرة بقوله: "العفو عند المقدرة يُعلي صاحبه، والغضبُ في غيرِ محلّه يُهينُ". ومن هنا، تُسهم هذه القيمة في تقليل معدلات الجريمة، وتُعزز ثقافة الحوار بدلاً من العنف، وهو ما ينسجم مع رؤية المملكة التي تُشجع على التعايش السلمي.

بينما تُسارع الدول نحو العولمة، تُثبت السعودية أن التمسك بالتراث لا يتعارض مع التقدم. فالعادات والتقاليد، مثل لباس "الغترة والعقال" أو احتفالات العيد في الأحياء، تُحافظ على الانتماء. ويقول الدكتور عبدالله الغذامي: "التراث ليس متحفًا مغلقًا، بل روحٌ تتنفس مع الحاضر". وهذا يُفسر لماذا أصبحت مهرجانات الجنادرية و"موسم الرياض" نموذجًا لدمج التراث بالحداثة، حيث يُقدّم الفلكلور الشعبي جنبًا إلى جنب مع الفنون الحديثة.

لا يعني الاعتزاز بالقيم أن نُهمش التحديات التي تواجهها، مثل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الجيل الجديد أو التغيرات الاقتصادية. لكن السعودية تُثبت أنها قادرة على التوازن بين الحفاظ على الأصالة والتحديث، كما في مشروعات التعليم التي تدمج الأخلاق بالعلوم الحديثة، أو في تشجيع ريادة الأعمال مع الحفاظ على قيم التعاون.

تُشكل القيم السعودية حائط الصد الذي يحمي المجتمع من الانجرار وراء الفراغ الروحي أو التفكك الاجتماعي. فهي ليست فقط ماضيًا نسترجعه، بل حاضرًا نعيشه ومستقبلاً نبنيه. كما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي: "القيمُ تُبنى بها الأممُ، ولا تُبنى الأممُ إلا بالناس". ولذلك، فإن الاستثمار في تعزيز هذه القيم عبر التعليم والإعلام والقيادة سيكون مفتاحًا لتحقيق رؤية شاملة للتنمية البشرية والاجتماعية في المملكة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد