حمود أبو طالب
في اختبار غزة الإنساني منذ بدايته، وصولاً إلى الكارثة المهولة التي تحدث الآن، تأكد لنا الانهيار التام لمنظومة الأخلاق والمبادئ والقيم التي تدّعيها النخب الثقافية والإعلامية والحقوقية في الغرب. اتضح أن التواطؤ على هذه الجريمة لم يعد شأن الإدارات السياسية وحدها، بعدم تسمية ما يحدث بمسماه الحقيقي كإبادة جماعية ممنهجة، والتدخل لإيقافها، بل أيضاً بالتبريرات التي تُطرح من قبل بعض الكتّاب والإعلاميين والمثقفين لدحض تهمة الإبادة الإسرائيلية لشعب مشرد أعزل، وبأحقر طريقة وأقذر أسلوب، متمثلاً بمنع الغذاء حتى عن الأطفال والنساء والعجزة من كبار السن، بعد تدمير الملاجئ والمستشفيات، وقطع الإمداد لأبسط وأهم الأدوية الضرورية لإنقاذ الحياة.
المتابع للصحافة الأمريكية والغربية، لا سيما التي تسمي نفسها ليبرالية وتدعي الانحياز للحقائق باستقلالية غير مرتبطة بالخط السياسي، يجد في بعض تقاريرها ومقالات كتّابها ما يندى له الجبين من التفاف فاضح على الواقع الذي يحدث في غزة، وممارسات جيش الدفاع الإسرائيلي البربرية، وسياسة حكومة نتنياهو الرعناء. هناك تكريس لسردية محددة تريد تحويل الذئب إلى حمل، والظالم إلى مظلوم، والمجرم إلى ضحية. يريدون القول بأن هجوم السابع من أكتوبر الذي قامت به حماس واحتجاز رهائن إسرائيليين يبرر كل ما فعلته وتفعله وسوف تفعله إسرائيل، من تدمير كل ما هو على الأرض في كامل قطاع غزة، إلى تشريد شعبها في رحلة تيه قاسية، وصولاً إلى إبادته بالجوع والإعدامات في طوابير انتظار المعونات الشحيحة التي تسمح بها إسرائيل بالقطارة.
لا نعرف كيف يمارس هؤلاء مثل هذا السقوط المهني والأخلاقي إزاء كارثة إنسانية فضيعة. إذا كانوا يفعلون ذلك مسايرة لتوجهات حكوماتهم فإنهم يدحضون ادعاءهم بحرية الرأي والتعبير وحياد المؤسسات الإعلامية، وإذا كانت تلك آراؤهم الذاتية المستقلة فإن الأمر أسوأ. وفي الحالين النتيجة واحدة: السقوط في امتحان غزة.