: آخر تحديث

حين يُقابَل الوفاءُ بالجحود

3
3
3

علي عبيد الهاملي

في زمنٍ تتكاثر فيه على السودان المحن، وتشتد فيه على شعبه الأزمات، لا تزال حكومة عبد الفتاح البرهان تمعن في حرف البوصلة، وتبحث عن مشجب تعلق عليه إخفاقاتها المتتالية، لتشن حملة تشويه علنية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة بائسة لصرف الأنظار عن المجازر التي ترتكبها ضد أبناء شعبها، بعد أن زجت بالسودان في أتون حرب أهلية، الخاسر الأكبر فيها هو الشعب السوداني، وهذه السلطة التي فقدت شرعيتها، منذ أن انقلبت على الثورة التي قادها الشعب السوداني عام 2019، وأسقط بها نظاماً جثم على صدر البلاد ثلاثة عقود.

العلاقات بين دولة الإمارات والسودان، ليست منبتة الجذور، ولا طارئة السياق.. لقد وثق عراها القائد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرئيس السوداني الراحل جعفر محمد نميري، رحمه الله. وكان السودان أول بلد عربي يزوره الشيخ زايد، بعد إعلان قيام دولة الاتحاد، حيث زار الخرطوم في فبراير من عام 1972، وتجول في مدنها، من دارفور إلى كردفان، ومدني وحديقة الدندر، وكان الاستقبال الشعبي والرسمي على قدر المكانة التي حظي بها الضيف الكريم بين أشقائه وأهله.

وفي المقابل، كان الرئيس نميري أول رئيس دولة يزور الإمارات بعد تأسيسها، وذلك في أبريل من عام 1972، حيث استُقبل في جميع إمارات الدولة استقبال الأخ والصديق، ورافقه وفد كبير من الوزراء والمسؤولين. وقد خُصص له برنامج حافل، زار خلاله إمارات الدولة، ومن بينها دبي، حيث ما زلت أذكر كيف احتشدنا، وقد كنا صغاراً، أمام بلدية دبي، لرؤية الضيف العربي الكبير، عندما زار الإمارة.

أما على المستوى الإنساني، فقد سبقت العلاقات الإماراتية السودانية نشوء الاتحاد نفسه، حيث شارك السودانيون في بناء المؤسسات الأولى للدولة، وأسهموا في النهوض بعدد من القطاعات الحيوية، والإدارات الحكومية. وقد احتضنتهم الإمارات كأبناء لا غرباء. وبعد قيام الدولة، كان لقيادة الإمارات مواقفها المشهودة في الوقوف مع الشعب السوداني، حيث كانت العون والسند.

واليوم، حين تختار حكومة البرهان طريق التشويه والنكران، فهي لا تسيء إلى دولة الإمارات، ولا إلى شعب السودان الكريم، بل تسقط نفسها في وحل الجحود، وتضع نفسها في موضع لا يشبه روح السودان، ولا يعكس أخلاق شعبه الطيب النبيل.. فالسودان، كما نعرفه، لا يُختزل في حاكم مؤقت، ولا في جنرال منفلت، بل هو بلد القلوب البيضاء والوفاء النبيل.

إن الحملة التي تشنها الحكومة السودانية ضد الإمارات، لا تعبر عن عقلانية الدولة، بل عن ذعر السلطة، وهي محاولة لتبرير السقوط، عبر الهروب إلى الأمام، والزج باسم الإمارات في نزاعات داخلية، لا شأن لدولة الإمارات بها.. وتاريخ الإمارات مع السودان، يشهد، لا بالخطابات، بل بالمواقف، على أنها لم تكن يوماً إلا سنداً، ولم تتخلَ عنه حتى في أشد لحظاته.

إن الزج باسم الإمارات في الصراع الدائر، لا يُفسَّر إلا بمحاولة يائسة لتصدير الفشل، وحركة مفضوحة لإرباك المشهد الدولي، وصناعة عدو خارجي، يخفف من وقع الانقسامات في الداخل السوداني.. لكن الإمارات، التي تعي دورها، لن تنزلق إلى المهاترات، ولن ترد على الشتائم، لأن الدول الكبيرة لا تنجر إلى الصغائر.

لقد وقفت دولة الإمارات من الأزمة السودانية موقفاً متزناً، دعت فيه إلى وقف إطلاق النار والحوار، ولم تساند طرفاً ضد آخر، بل نادت بوحدة السودان وسلامه. أما هذه الأصوات النشاز، فلا يمكن لها أن تخرق جدار الصدق، الذي بُني بين الشعبين الشقيقين، ولا أن تمحو عقوداً من الأخوة والتعاون. وإذا كانت السياسة السودانية والساسة السودانيون يبحثون اليوم عن كبش فداء، فإنهم اختاروا العنوان الخطأ.. فالإمارات، التي تأسست على قيم العطاء، لا يُزايد عليها أحد، والتاريخ لا تنطلي عليه الحملات الملفقة، ولا تُضلله البيانات المرتعشة.

ستمر هذه العاصفة، وسيتبين من ثبت على المبادئ، ومن باع نفسه في سوق الأوهام. ستظل الإمارات، كما عهدناها، وفية لحبها للسودان، مؤمنة أن الشعب السوداني أكبر من أن يُختزل في حكومة أدخلته في نفق مظلم، وأن علاقات الشعوب لا تهزها بيانات المتخاذلين. الإمارات تعرف جيداً من تكون، لا ترد على الجحود، بل تمضي في طريقها كما الكبار، لا تهزها حملات التشويه، ولا يزعجها قرع الطبول الفارغة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد