أثيرت مؤخراً زوبعة على وسائل التواصل، بعد القبض على من يقوم باستهلاك نسبة هائلة من التيار الكهربائي في تعدين العملات المشفرة، في البيوت السكنية. وهذا يعني استخدام أجهزة حاسوب قوية ومتخصصة لحل مسائل رياضية معقدة، بهدف الوصول لسجل رقمي موزع، يُسمى بلوك Block chain «البلوكشين» 1456، وجمع المعاملات في كتل، من خلال استخدام قدرات حوسبة عالية لمحاولة حل لغز تشفير خاص بكل كتلة، وأول من ينجح في حل هذا اللغز يحصل على مكافأة عبارة عن عملة رقمية جديدة، ويحقق من وراء ذلك ثروة كبيرة. والتعدين ضروري، لأنه يمنع التلاعب، ويضمن أن جميع المعاملات مسجلة بشكل صحيح وشفاف على البلوكشين، وهي الطريقة الأساسية لإصدار عملات رقمية جديدة في السوق، وتخضع لقواعد برمجية، تمنع إصدار عملات جديدة بشكل عشوائي أو غير منضبط. وأصبح التعدين في دول عدة غير مجد، بسبب الارتفاع الكبير في تكلفة التيار الكهربائي.
لا تجرّم أغلبية دول العالم التعدين، لأن ثمن واط الكهرباء فيها يباع للمستهلكين على أساس تجاري، وغالباً ما تحقق الدولة أو الشركة ربحاً مجزياً من وراء العملية! لكن يصبح التعدين سرقة وجريمة في الدول، التي تُدعم فيها الحكومة الكهرباء بشكل كبير، خاصةً عندما يكون النشاط غير مرخص، لأن كمبيوترات التعدين تستهلك كميات هائلة من الكهرباء، وتعمل طوال اليوم، فترتفع حرارتها، وتحتاج لأجهزة تكييف عالية الكفاءة لإبقائها عند درجة برودة مناسبة، وبالتالي الذي يقوم بالتعدين يستخدم كهرباء رخيصة، مدعومة من الدولة، لتحقيق ربح كبير لنفسه، على حساب المال العام، علماً بأن تلك الكهرباء دعمتها الحكومة للاستعمال الخاص، واستخدامها بطريقة غير قانونية، وخفية، ومن دون إعلام أية جهة رسمية، وبغير ترخيص، ولغير الغرض الذي تم إيصال التيار للبيت على أساسه، كالسكن، يعتبر سرقة للموارد العامة واحتيالًا، وجريمة يؤدي التوسّع فيها، ليس فقط إلى استنزاف موارد الدولة، بل إلى احتمال انقطاع التيار الكهربائي عن الجميع، نتيجة زيادة الاستهلاك، الذي لا تعلم الدولة سببه أو مصدره، لذلك تشترط الدول حصول المعدّنين على تراخيص مُحددة لتعدين العملات المشفرة، وأن تكون غالبا في ساعات محددة من اليوم، ومقابل ثمن مرتفع.
تحظر الكويت تعدين العملات المشفرة، ويُعد التعدين باستخدام الكهرباء المدعومة غير قانوني بشكل صريح، ونتمنى أن يسري الحظر حتى على الجهات، التي تقوم بتعبئة مياه الشرب المدعومة في قناني، وبيعها بأسعار عالية!
ما وجده البعض عذراً للمعدنين، والقول ان وزارة التجارة سمحت باستيراد أدوات وأجهزة التعدين، هو عذر مضحك، وهذا ليس دفاعاً عن وزارة متخلفة، فالوزارة تسمح أيضاً باستيراد السيارات وأدوات التنقيب عن المعادن والبترول، ولكن لا يعني ذلك أن توافر هذه المواد في السوق أو السماح باستيرادها، أن للمواطن أو المقيم، الحق في قيادة السيارة أو التعدين واستخراج المعادن والبترول من دون ترخيص. وبالتالي فإن تجريم المعدّنين إجراء صحيح!
أحمد الصراف