عاش الحكيم بتاح حتب في عصر الدولة القديمة، وقد عاصر حكم الملك جد كا رع أسيسي (2414– 2375 قبل الميلاد) من ملوك الأسرة الخامسة. ومن خلال ما سجّله في بداية تعاليمه ندرك أنه كان قد تجاوز التسعين من عمره، وعندما أحسّ بقرب أجله استأذن الملك في أن يسمح لابنه بأن يرث وظيفته التي كان يشغلها، وهي من الوظائف المهمة في الدولة. ولذلك أخذ بتاح حتب يطمئن الملك على صلاحية ابنه لتولي منصبه بدلاً منه. ويسهب الحكيم بتاح حتب في شرح كيف أنه لقَّن ابنه كل ما يعرفه من خبرات وتعاليم.
وفيما يلي بعض من تلك التعاليم التي أوصى بها بتاح حتب قبل أكثر من 4400 سنة: «لا تكونن متكبراً بما تملكه من علم، ولا تكونّن منتفخ الأوداج ظنّاً بأنك رجل عالم، شاور الجاهل والمُتعلم، لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها... إذا كنت بين الضيوف الجالسين إلى مائدة الطعام، فخُذ ما يُقدم لك حين يوضع أمامك، ولا تنظر إليه كثيراً أو بشراهة؛ لأن ذلك تشمئز منه النفوس. ولا تنظر إلى الطعام الذي وضع أمام الضيوف الآخرين... ولا تطمع في مال أقاربك أو في أموال الآخرين، وحرّر نفسك من كل قبيح، واحذر الطمع فهو مرض عضال، والصداقة معه مستحيلة، وهو حزمة فيها كل أنواع الشرور... إذا كان رئيسك فيما مضى من أصل وضيع فعليك أن تتجاهل وضاعة أصله السابقة، واحترمه حسبما وصل إليه بمجهوده. ولا تُعِد كلمات جارحة أو حمقاء خرجت من غيرك في ساعة غضب، والتزم الصمت، فإن هذا أحسن وأفضل لك في هذه الحالة... إذا كنت عظيماً بعد أن كنت صغير القدر، وصرت صاحب ثروة بعد أن كنت محتاجاً، فلا تنسَ كيف كانت حالك في الزمن الماضي، ولا تفخر أو تتغنّى بثروتك التي جاءت إليك منحة من الإله، فإنك لست أحسن من أقرانك الذين حل بهم الفقر. واحترس من الأيام التي يأتي بها المستقبل... وإذا كنت حاكماً فكن ليناً وعطوفاً حين تستمع إلى شكوى متظلم، ولا تسئ معاملته، ودَعْه يَبُحْ لك بما في صدره، ويَقُلْ كل ما جاءك من أجله. وإذا كنت حاكماً تصدر الأوامر للشعب فابحث لنفسك عن كل سابقة حسنة حتى تستمر أوامرك ثابتة لا غبار عليها، وتمسّك بالأخلاق الفاضلة، واعمل على نشر العدالة، فالخلق الحسن يبقى مذكوراً. وإن الرجل الذي اتخذ العدالة معياراً له، وسار وفقاً لجادتها، يكون ثابت المكانة. فالتزم بالعدل في كل أقوالك وأفعالك. إن الصدق جميل، وقيمته خالدة، لا يتزحزح عن مكانه منذ خلق، والعقاب يحل بمن يعبث بالقوانين».
ظَلّت تعاليم بتاح هي النموذج الذي سار عليه حكماء مصر القديمة من بعده. فنجد الحكيم كاجمني يستعير بعض نصائح بتاح حتب، ويصوغها بأسلوبه هو وبكلماته هو، فمثلاً يقول: «من العار أن يكون الإنسان شرهاً، فقدح من الماء يروي الظمأ... والشيء الطيب يحل محل الخبيث، كما أن القليل يحل محل الكثير». ويحذر أيضاً من أن يكون الإنسان متعالياً ومتكبراً على الآخرين، فيقول: «إياك أن تكون فخوراً بقوتك بين مَن هم في مثل سنك. وتحاشَ أن تدخل في صراع أو شجار، لأن الإنسان لا يعرف ماذا سيكون حظه في هذا الشجار؛ حيث إن الله وحده هو الذي يعلم بنتيجته».