: آخر تحديث

تل أبيب لا تبالي بالنداءات الدولية

3
4
6

هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها هذا العدد من الدول على رفض استمرار الحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة.

فالحرب تكاد تدخل عامها الثالث، ومنذ أن أطلقتها إسرائيل قبل ما يقرب من عامين، وهي تكتسب مقاومين لاستمرارها في كل يوم، ولا يكاد يوم يمضي إلا ويكون هناك نداء هنا أو رغبة هناك، في أن تضع أوزارها، وأن تتوقف آلة القتل في القطاع.

كان النداء يأتي مرة من جهة دولية، كأن تكون الأمم المتحدة مثلاً، أو يأتي مرة ثانية من عاصمة ترى في استمرار الحرب خرقاً لكل ما هو إنساني وقانوني معاً. ولكن تل أبيب لم تكن تبالي بالنداءات الدولية على كثرتها، ولم تكن ترى فيما ترتكبه أي خرق إنساني أو قانوني، وكانت -ولا تزال- تمارس ما تمارسه من أجل القتل في حد ذاته، والمؤكد أن هذا كله سوف يجد مَنْ يؤرخ له ويوثقه حين تهدأ جبهات القتال.

إلا هذه المرة التي نجد فيها أنفسنا أمام 25 دولة تطلب وقف الحرب على الفور، ويخرج عنها بيان بتوقيع وزراء خارجيتها الذين يصفون في بيانهم المشترك أن القتل غير الإنساني في حق الفلسطينيين قد آن له أن يتوقف، وأن يكون ذلك الآن.

والدول التي تضمها قائمة الخمس والعشرين ليست من آحاد الدول التي لا تملك قوة ولا سلطاناً، ولكن يكفي أن نعرف أن من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا، مع ما نعرفه عما تمثله دولة مثل بريطانيا أو دولة مثل فرنسا بالنسبة للدولة العبرية. فقيام إسرائيل في الأصل لم يكن ليحدث لو لم يصادف عطف الحكومة البريطانية بدايات القرن العشرين، ولولا وعد البريطاني بلفور ما كان من الممكن لكيان اسمه إسرائيل أن يقوم.

ولولا فرنسا ما كان للمشروع النووي الإسرائيلي أن يكون له وجود، وهذه حقيقة يعرفها الفرنسيون بقدر ما يعرفها الإسرائيليون، ويعرفها كذلك الذين تابعوا مجريات الأمور في هذا الشأن في النصف الثاني من القرن العشرين.

فإذا جاءت الدولتان وانضمتا إلى قائمة من 25 دولة ضجت من طول الحرب، ومن جنونها، ومن وحشيتها، فإن ذلك لا بد من أنه يعني لإسرائيل الكثير، فإذا وصف البيان المشترك ما تقوم به حكومة التطرف في تل أبيب بأنه قتل غير إنساني، فإن ذلك يعني بدوره الكثير أيضاً؛ لأنه يخرج بممارسات هذه الحكومة من دائرة ما تعرفه الحروب العادية بمعناها المفهوم، وبكل ما يحكمها من تقاليد وأعراف دولية مستقرة، ويدخل بها في نطاق آخر تحاسب عليها فيه المنظمات الدولية ذات الصلة؛ حين يأتي يوم يقوم فيه حساب.

صحيح أن القتل في القطاع ليس فيه ما هو إنساني وما هو غير إنساني، منذ بدأت هذه المقتلة المستمرة بغير سقف، وصحيح أن القتل هناك قتل في حالاته كلها، وصحيح أنه تجاوز قتل الفلسطينيين العاديين إلى قتل ما صار يُعرف بالمجوَّعين، ولكن الأصح في القلب من هذا كله أن إسرائيل تجد نفسها في مواجهة مع 25 دولة دفعة واحدة، وتجد نفسها في مواجهة مع دول كانت تاريخياً محسوبة على أنها دول صديقة للإسرائيليين.

كان رد الفعل الطبيعي؛ بل والمتوقع، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية رفضت البيان، وهي لم تشأ أن تكتفي برفضه، ولكنها بادرت إلى الأخذ بالقاعدة التي تقول إن المبادرة بالهجوم هي خير وسيلة للدفاع، فهاجمت الدول الخمس والعشرين، ولم تفرق فيها بين دول اشتهرت بصداقتها مع إسرائيل، ودول أخرى لم تكن في دائرة هذه الصداقة في أي يوم!

والمؤكد أن الدول الخمس والعشرين كانت تتوقع هذا وتترقبه، فالدولة الإسرائيلية التي لا تكاد تلتفت إلى دعوات أميركية خجولة لوقف الحرب، مع ما نعرفه من حجم تأثير واشنطن عليها، لا يمكن أن تستجيب لنداء يرسله بيان مشترك، حتى لو كان بياناً يعبّر عن 25 دولة مجتمعة، وحتى لو كانت بريطانيا على رأس هذه الدول ومعها فرنسا.

وكان فقهاء المسلمين قد سبقوا إلى تصوير هذا الأمر، عندما صاغوا المعنى كله في عبارة مُحكمة تقول: «إن الله يَزَع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن». أما المعنى فهو أن تعليمات السماء قد لا تمنع الإنسان من الاعتداء على حق الآخرين، ولكن يمنعه بالتأكيد أن يجد سلطان القانون في انتظاره، ويمنعه أن يكون على يقين من أن ما أمهلته فيه أديان السماء، سوف تعاجله به يد القانون. فأديان السماء تقطع بأن السرقة حرام، ومع ذلك فإن الناس يسرقون، إلى أن يطولهم سيف القانون. وما ينطبق على الأفراد في هذا النطاق ينطبق بالقدر نفسه على الدول والكيانات.

البيان المشترك خطوة محسوبة للدول الخمس والعشرين، ولكنه لا يؤدي إلى المطلوب مع كيان مثل إسرائيل، وإنما يؤدي إلى ما هو مطلوب أن تشعر تل أبيب بما يشعر به الفرد الذي يدركه سلطان القانون، إذا لم يأبه بما تقوله السماء.

ينال من إسرائيل أن تقرر الحكومة الإسبانية إلغاء صفقة استيراد ذخيرة من شركة إسرائيلية، ولا ينال منها بيان مشترك مثل الذي صدر ولا ألف بيان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد