ليلى أمين السيف
في لحظات عوزٍ ملحٍّ، وحيرةٍ قاتلة، كانت تلك المرأة الفاضلة تنظر إلى السماء بقلب خاشع، تناجي ربها: «يا رب، إن قضيت لي حاجتي، لأتصدقن شكراً لك».
لم تكن هذه أول مرة تمدّ فيها يدها بالدعاء، ولم تكن الصدقة بالنسبة لها شيئاً موسميًا، بل أصبحت مع الوقت رديفًا لكل ضيق، ومفتاحًا لكل باب موصد. فهي تتصدق بكل جميل منحها الله.. تتصدق بوقتها وعلمها وعملها. وتحاول تقديم الخير للناس كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
عاشت على يقينٍ بوعد الله في قوله تعالى:
{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5-7]
ترى أن التيسير وعدٌ لا يتخلف، حين يُقرن العطاء بالتقوى والتصديق بالحسنى.
كنت أستمع لها بإنصات و أنا أردد في سري قول الشاعر:
الناسُ بالناسِ ما دامَ الحياءُ بهمُ
والسعدُ لا شكّ تاراتٌ وتاراتُ
وأفضلُ الناسِ ما بين الورى رجلٌ
تُقضى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
لا تمنعن يدَ المعروفِ عن أحدٍ
مادمتَ مقتدرًا فالسعدُ تاراتُ
واشكرْ فضائلَ صنعِ اللهِ إذْ جعلتْ
إليكَ لا لكَ عندَ الناسِ حاجاتُ
قد ماتَ قومٌ وماتتْ مكارمُهمْ
وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ
وأكملت صديقتي حديثها الجميل أنها ذات مرة، اشتدّت عليها الكُرب.و أوصدت الأبواب، وغاب الأمل، ولم يُستجب الدعاء بعد. لكنها، بصدق الإيمان، هداها الله لأن تبادر بالعطاء فقالت لنفسها: «سأتصدق ولو لم يُفتح الباب، سأتصدق ليس فقط لحاجتي، بل شكراً على النعم، وعلى السكينة رغم الألم».
فقررت أن تجعل الصدقة عادة لا طلبًا فقط.
تتصدق عن أحبّتها... عمن أحسن إليها، بل وحتى عمن أساء إليها.
تتصدق عند فرحها، وحزنها، وقبل نتائج أبنائها.
تتصدق لأن في العطاء حياة.
كانت تقول: «ما دُفِع بلاءٌ بمثل الصدقة ولا جُلب رزقٌ بمثلها، ولا رُفع دعاءٌ مثل دعاءٍ يرفرف بجناحي الصدقة».
ولم تزل تتلو قوله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]»
حينها تذكرت هذه الأبيات المضيئة من الشعر:
للخير أهل لا تزال
وجوههم تدعو إليه
طوبي لمن جرت الأمور
الصالحات على يديه
ما لم يضق خلق الفتى
فالأرض واسعة عليه
في النهاية، تتنوع طرق البلاء، لكن يظل الخير أملنا، والصدق هو الطريق. وعندما يتناثر الخير بيدك، تذكر أن من يده الخير يكون محاطاً بنعم الله ورعايته.
رددت وصديقتي الجميلة أبياتا لمحمود سامي البارودي:
لك الحمد إن الخير منك وإنني
لصنعك يا رب السموات شاكر
فأنت الذي أوليتني كل نعمة
وهذبتني حتى اصطفتني العشائر
فقرب لي الخير الذي أنا راغب
وباعدني الشر الذي أنا حاذر
** **
- كاتبة يمنية مقيمة بالسويد