: آخر تحديث

عصاميون

2
1
1

تحدثت الأحد الماضي عن العظاميين، وتقصد العرب بهذا المصطلح أنهم الذين يرثون ثروة من دون جهد، وكل ما في الأمر أنهم ورثوا ثروة عصامي عبر النسب، وهو الذي كدح في الثروة حتى كوّنها ليسلمها في الأخير لوارثيه وهذه سنة الحياة، وفي الغالب تتفتت الثروة في الجيل الثالث، وهذه نظرية قديمة أول من أسسها ابن خلدون.

حيث قسّم الأجيال إلى ثلاثة: الجيل الأول عاش ورأى وسمع، أي عاش التجربة بجميع أركانها، لذلك هذا الجيل يعرف كيف يتعامل مع الناس والثروة، أما الجيل الثاني فرأى وسمع، أي فقد رُكناً مُهماً وهو المعايشة، لذلك يكون لديه الحد الأدنى من المعرفة فيحافظ على الثروة، أما الجيل الثالث فسمع فقط، لذلك يعتقد أن احترام الناس له واجب عليهم، لأنه سمع أنهم يحترمون جدّه وأباه، فيُصاب بالغرور وينصرف عنه الناس ويبدد الثروة.

في عالمنا العربي عصاميون كُثر وتاريخهم لم يُكتب، وأرجو أن يكتب أهل كل مدينة عربية تاريخهم الاقتصادي، لذلك سأتحدث عن عصاميي مدينة الرياض ولنبدأ برجل الأعمال الجليل صالح بن عبد العزيز الراجحي - رحمه الله - الذي كان عصامياً وأنشأ ثروته من الصفر، وكان يبذل في أعمال الخير بذلاً كثيراً حتى أصبح مشهوراً بعمل الخير، وفي آخر عمره أوصى بثلث ماله لأعمال الخير، ورغم أنه هو من جمع الثروة فإن بعض وارثيه العظاميين احتجوا على هذه الوصية ولم تنفذ الوصية إلا بعدما تدخلت الجهات الرسمية وأُنفذت الوصية.

ثم نأتي إلى رجل الأعمال محمد بن سيار - رحمه الله - الذي كان معظم عمله في العقار وكان قد بنى عمارة من الطوب والأسمنت أو ما يُطلق عليه بالمسلح في شارع الشميسي الجديد في مدينة الرياض، وهو يعتبر شارعاً مُهماً في ذلك الوقت، وكانت مساكن أهالي مدينة الرياض من الطين، فأتى سيل عظيم في سنة من السنوات وأظنها سنة 1956 ميلادية توافق سنة 1376 هجرية، فكادت بيوت أهالي الرياض تسقط، فدعاهم الشيخ محمد بن سيار إلى السكن في عمارته لأنه لا خطر عليهم من السيل فيها، وبالفعل، لجأ عدد كبير من الساكنين حوالي العمارة إلى عمارة بن سيار، وقد كان - رحمه الله - يقدم لهم ثلاث وجبات، الإفطار والغداء والعشاء، وكان يقف عند باب العمارة ويصوت عند كل وجبة للمارة، فإذا كان الإفطار صوت بالإفطار، وقس على ذلك بقية الوجبات ليتناول العابرون الطعام.

ثم نأتي إلى رجل الأعمال سليمان بن عبد العزيز الراجحي - شفاه الله - الذي بدأ عصامياً وكوّن ثروة، وكان قريباً من أعمال الخير لدرجة أنه أوقف 45 في المائة من ثروته في أعمال الخير، ومنها مشروع الوطنية للدواجن، الذي يبلغ إنتاجه مليون دجاجة يومياً، فجزاه الله خيراً وجعلها الله في ميزان حسناته.

ثم نأتي إلى ذكر رجل الأعمال عبد العزيز بن سليمان المقيرن - رحمه الله - الذي كان هو الآخر قريباً من أعمال الخير وكان يشتري منازل لأقربائه الذين لا يستطيعون شراء منازل، وقد ذكرت هؤلاء كعينة للعصاميين، كما أنني لم أذكر جميع أعمالهم، بل اخترت نموذجاً واحداً من عمل كل عصامي، أرجو أن يقتدي العظاميون بالعصاميين. ودمتم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد