: آخر تحديث

عودة الضربات وشبح تبدد الاتفاق

2
2
2

لم تكن أيام ما بعد الاتفاق بين «حماس» وإسرائيل مطَمْئنة. هدأت الحرب قليلاً، وانتهت موجات احتفالٍ مصحوبة بالخطابات، ولكن بعدها واجهت الأطراف وعورة الواقع وتبدّت معضلات التنفيذ.

لقد عقّدت سجالات تسليم الجثث كل المشهد. ولذلك عادت إسرائيل لتضرب من جديد، بل ومُنحت بمعنىً ما الفرصة المطلوبة والأمنية المنشودة بغية وجود أي اختراق يخدم نقض الاتفاق.

لا يُدرى لماذا تصرّ «حماس» على اختبار، بل مناكفة، إسرائيل مع عنادٍ خطير بعد كل الخسائر التي تلقّتها على مستوى هيكلية الحركة، ناهيك بالأزمة الإنسانية والمجازر الدموية الجنونية؛ كل ذلك التعثّر استثمرته رغبة إسرائيلية في أن تستمر المعركة وألا تضع الحرب أوزارها.

إن مفهوم أي «اتفاق» يعني وجود نيّة جادة للتنفيذ من كل الأطراف، من دون ذلك فإن عودة النزعات الانتقامية والاستمرار في أساليب الهجوم الكارثية يعنيان أن ثمة تلكؤاً أو ربما رغبة في إكمال الصراع من دون أي فقه أبعد لمفهوم الاتفاق ومآلات نقضه.

منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا تغيّر مفهوم «النظام العالمي» الذي اعتاد المنظّرون الاستناد إليه. ثمة أفكار متغيّرة ومخاطر حقيقية على المستويات الاقتصادية والسياسية والجغرافية؛ ولذلك فإن محاولات تأبيد الحروب ونقض الاتفاقيات لن تغيّر من مجرى التاريخ الذي نشهده. مع التفاوض كل قضيّة يمكن حلّها، ومحاولات جعل النار مشتعلة بغية تحقيق أهدافٍ آيديولوجية، أو توسيع رقعة المعركة المحددة لتشمل الإقليم، جِدُّ خطيرةٍ ويجب أن تواجَه.

لم يَعِ المغامرون أن المرحلة الحاليّة أساس خطابها اقتصادي بحت؛ ما عادت الشعارات السياسية -في دول الخليج تحديداً- تستقطب الجيل الصاعد كما كان الحال عليه من قبل؛ إنهم في حالة تحديثيّة وترفيهية وإبداعية ضمن أفكار ورؤى تنموية كبرى نرى نتائجها كل يوم.

ثمة تغيّر وإرادة تغيير للنظام العالمي القديم؛ ثمة نظرياتٌ حيوية تعتني بتعزيز هذا المفهوم. لقد ساد الصراع طوال القرون من السابع عشر حيث الحروب الأهلية، حتى العشرين حيث نهاية الحرب العالمية، بين فلسفات السلام وفلسفات الحرب. لا يمكن تصوّر فكرة «السلام الدائم» التي طرحها إيمانويل كانط، ولا تبنّي فكرة هيغل عن ضرورة الحرب من أجل ابتكار واقعٍ جديد. إن نظرية السلام التي طرحها ترمب في خطابَيه الأخيرين فيها كثير من التكثيف المعمّق، فهي بوصلة وجهتها محددة، إقليمٌ يتّجه نحو النظريات الاقتصادية التنموية الصاعدة، والمجتمعات والأديان المسالمة، إنه نظام عالمي يتغيّر لا بد من التبويب عليه والتفكير معه لا ضده، فالاستمرار في هذا التجويع وصناعة الصواريخ والمغامرة بمصير مجتمعاتٍ ودول يعني أن ثمة من يريد إبقاء بلده في حالة حربٍ أبديّة مكلفة.

قبل «السابع من أكتوبر» لم تكن هناك مشكلات جوهريّة في الإقليم، بضع مفاوضات ممتدة يمكن إنفاذ نتيجتها بطريقةٍ مفيدة، ولكن حين بدأت المغامرة تغيّر المشهد نحو التصعيد الآيديولوجي في وجه المشروع التنموي، وهذا يتضح على مستويين اثنين؛ الأول: تحويل اهتمام الدول التنموية الصاعدة وإرهاقها وتثبيط عزيمتها التنموية ومحاولة تأخير اهتماماتها الاقتصادية على حساب الدخول في مشكلاتٍ طويلة الأمد، ومن ثم تعسير المشروع التنموي والاستمرار في الاستنزاف السياسي. الآخر: أن التغوّل النظري للإسلام السياسي في البودكاست وفي طريقة شرح رموزه للنظام العالمي وأفول الدول، القصد منه الحشد من أجل استعادة ما فشلوا به فيما يُعرف بـ«الربيع العربي»، وهذا يقولونه باستمرار في منصاتهم السوشيالية.

الخلاصة؛ إن نقض الاتفاق المبرم الأخير يعني الفشل في استثمار فرصة الأوْبَة نحو المجال الحيوي التنموي، وهذا لا يمكن أن يكون إلا لسببٍ آيديولوجي أكثر منه سياسياً. النُّظُم العالمية والدولية ونظريّاتها تتغيّر، والمفاهيم التفاوضيّة اختلفت. من دون إدراك هذا التطوّر المذهل فإن البعض سوف يستمرّ في المغامرات غير محسوبة النتائج بدليل أن «حزب الله»، على سبيل المثال، لا يزال يعاند ويتترَّس بالمجتمع اللبناني، وآخر ذلك ما حدث في قصف مصانع من بينها مصنع «أسمنت» وهمي هدفه إعادة قوّة «حزب الله» العسكرية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد