: آخر تحديث

ضمير السلام

2
2
2

جمال الكشكي

روح السلام تفيض على خرائط المنطقة، مدينة السلام شرم الشيخ، قالت كلمتها بوضوح وقوة في حضور الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وبمشاركة قادة وزعماء أكثر من 20 دولة، العالم يشهد على اتفاق تاريخي لإنقاذ المنطقة، اتفاق يعطي الفرصة لالتقاط الأنفاس، فرصة نادرة تتطلب البناء عليها.

ساكن البيت الأبيض أكد على السلام في الكنيست، وحلق بطائرته إلى عاصمة السلام للتوقيع عليه، اللحظة نادرة، والفرصة عظيمة، دخل وقف إطلاق النار أيامه التالية، المهمة صعبة، لكن ليست مستحيلة، نجحت شرم الشيخ في الحفاظ على الثوابت التي تمسكت بها الدولة المصرية، منذ اليوم التالي لحرب 7 أكتوبر 2023، لا للتهجير، لا لاقتلاع الجغرافيا من جذورها، لا للمشروع الإسرائيلي التوسعي.

الاستقرار لا يبنى فوق الركام، والسلام لا يباع على الأرفف، لابد من مواقف تحرس المعنى أكثر مما تحرس المصالح، عندما غابت الدولة الوطنية إبان ما يسمى الربيع العربي، أفلت زمام الاستقرار، تم استبدال المؤسسات بالميليشيات والتنظيمات الإرهابية، فزادت الأطماع والطموحات، وباتت الخرائط عرضة للتجاذبات والصراعات.

فلسطين دولة تنزف منذ 80 عاماً، فلسطين هي كعب أخيل التي يريد الآخرون القفز من خلالها، ذاقت كل صنوف التجارب على المسرح الدولي، وظلت الأرض التي تتسابق عليها البيادق على رقعة الشطرنج، الأوهام التوسعية لإسرائيل تنطلق من أن السيطرة على الخرائط، لا بد أن تبدأ من فلسطين، بنيامين نتانياهو، تعلم الدرس جيداً من صديق والده جابوتنسكى، مُنظّر قضم الأراضي ومهندس تقسيم الخرائط، أوهم نفسه بالقدرة على توسيع النفوذ، أمسك بخرائط الشرق الأوسط في الأمم المتحدة، واهماً نفسه بشرق أوسط جديد يحمل توقيعه، رأى أن تحصين بقائه في السلطة لا يمكن أن يتم من دون مزيد من إراقة الدماء، بعد عامين من الحرب على غزة، لم يحتمل الصمود في وجه 90% من سكان الأرض، باتوا يعترفون بفلسطين الدولة، تجرع كأس السم عندما أذاع الإعلام الإسرائيلي خبر اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية. ثمة وعد جديد يقلب موازين التاريخ، لندن لم تستطع حجب الرؤية نحو العدالة، ورفع الظلم التاريخي، الموقف انتقل من الرسمي إلى الشعبي، شوارع العالم تندد بالابإدة والقتل، والاستثمار في الركام.

ساكن البيت الأبيض أدرك أن العزلة والحصار لن يشفعا لحليفته إسرائيل أمام أمواج عالمية متدافعة، فاجأ العالم بقرار وقف الحرب وتبريد الصراعات وتبني مفهوم السلام، ضيق الوقت لم يسعفه من الوصول إلى السويد للحصول على أحلامه في نوبل، لكنه أكمل مشواره نحو السلام من دون نوبل، الحسابات الأمريكية جرس إنذار، مصالح واشنطن باتت أكبر من أن يعرقلها نتنياهو.

جاءت الإشارة واضحة للمبعوث الأمريكي، ستيفين ويتكوف، وجاريد كوشينر، ذهبا إلى الشرق الأوسط، حاملين رسالة واضحة إلى تل أبيب، ثم واصلا المهمة في القاهرة. مصر ثابتة على الموقف، القضية الفلسطينية مركزية، السلام استراتيجية، وفلسفة ورؤية وخيار مصري راسخ، في مطابخ السياسة العالمية.

رحب القادة والزعماء بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، دونالد ترامب، لحضور توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. العالم في ضيافة شرم الشيخ، قمة إنقاذ للمنطقة والإقليم والعالم، رسائلها واضحة، وشفراتها عميقة، انتهت القمة، وتابع الشارع الأمريكي لحظة إقلاع طائرة ترامب، وبقيت أمانة تحقيق السلام، ورفع الظلم، وإعادة الاعتبار للجغرافيا والتاريخ.

الكرة في ملعب العرب والعالم، البناء على هذا الاتفاق مهمة وواجب وطني، وتعهد لابد من الالتزام بالوفاء به، وبمراحله التالية، التوقيت ليس مناسباً للصراع على مصالح بين الفصائل والحركات، فلسطين الدولة أهم وأكبر من كل المصالح الضيقة، لا معنى لحركة أو فصيل من دون دولة، ووقف النزيف لا يتم من دون إرادة حقيقية ومخلصة للشعب الفلسطيني، وحدة الفلسطينيين السبيل الأقوى والطريق الممهد لإدارة دولتهم. الإعمار ليس فقط إعادة رفع الركام، وإعادة بناء المساكن، بل إعمار إنساني وسياسي ومجتمعي واقتصادي.

القضية الفلسطينية تقيم الآن على سطح المسرح الدولي، والفرصة سانحة وتتطلب منا جميعاً الاصطفاف لتأكيد آليات تثبيت وقف إطلاق النار عبر التعاون والتنسيق مع كل شهود الاتفاق، واستكمال مراحله، فالسلام له ضمير يتطلب الوحدة والقوة والموقف من كل الأطراف الفاعلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد