: آخر تحديث

محاولة لفهم مشهد جيل زد في المغرب

3
2
3

سليمان جودة

سمع العالم عن جيل زد للمرة الأولى في نيبال، ثم تردد الاسم في المغرب، ومن بعدها راح يتردد في مدغشقر، وقد قيل في تعريفه إنه الجيل الذي جاء الدنيا مع بدايات هذه الألفية أو قبل بدايتها بقليل، وإنه يفكر بطريقة مختلفة عن أجيال سابقة عليه.

أما فيما يخص المغرب فعندي خلفيتان شارحتان لمشهد شباب جيل زد، الذي لما أراد أن يتميز عن سواه أضاف إلى تعريف نفسه رقماً فصار التعريف هكذا: جيل زد 212، وأما الخلفيتان فإحداهما قريبة في المغرب ذاته، والأخرى كانت في مصر خلال المرحلة السابقة مباشرة على ما يسمى الربيع العربي.

الخلفية البعيدة كانت عندما تولى د. أحمد نظيف رئاسة الحكومة في مصر، وقد قيل طوال السنوات التي تولاها الرجل من 2005 إلى 2011، إن معدل النمو الذي حققته حكومته كان غير مسبوق على مدى سنوات الرئيس حسني مبارك، وإن ذلك كان يبشر بالكثير من التحسن في مستويات المعيشة.

كانت معدلات النمو حقيقية ولم تكن زائفة، ولكن المشكلة بقيت في قدرة الحكومة على نقل المعدلات من الورق أمامها إلى الواقع في حياة الناس، أو أنها عجزت عن ترجمتها من أرقام إلى شيء عملي، وحين هبت ريح الربيع حينها فإن كثيرين انخرطوا في الكلام عن هذه النقطة، ولكنه كان من نوع الكلام الذي فات أوانه.

أمر كهذا أو شبيه به تجده في حكومة عزيز أخنوش في المغرب، فرئيس الحكومة رجل أعمال له اسمه الكبير في عالم الأعمال، كما أن معه في الحكومة عدداً من رجال الأعمال أيضاً، ونحن نذكر أن حكومة نظيف كانت تضم بعضاً من رجال الأعمال، وقيل في أيامها إن الهدف أن ينقل كل واحد منهم نجاحه من مستواه الخاص إلى النطاق العام، ولكن هذا لم يتيسر في كل الأحوال.

الذين يزورن المغرب أو يتابعون ما يجري فيه يعرفون أن حكومة أخنوش حاولت تحقيق شيء، وأن محاولاتها مستمرة منذ جاءت قبل ما يقرب من خمس سنوات، ولكن خروج شباب جيل زد 212 إلى الشارع على الصورة التي تابعناها دليل مرئي على أن حصيلة ما حققته الحكومة إذا كان قد وصل إلى الكثيرين من المغربيين فإنه لم يصل إلى هؤلاء الشباب، أو إنه وصلهم ولكنه لم يقنعهم، ولم يتجاوب بالتالي مع أشواقهم نحو حياه أفضل في التعليم، وفي الصحة بالذات.

وربما نذكر هنا أن الملك محمد السادس قال في احتفالات عيد الجلوس آخر يوليو، إنه لا يريد مغرباً يمشي في تنميته بسرعتين، إحداهما قوية هنا، والأخرى بطيئة هناك، وإنه يريد بلداً يسير بسرعة واحدة، تتلاقى مع آمال المغربيين في العدل والإنصاف.

لم تنتبه حكومة أخنوش بما يكفي إلى فلسفة الملك في التنمية، فأنجزت حيث يرى الزائر للبلد بعينيه، ولم تنجز هناك، حيث تطلعات شباب زد 212، فكان أن خرج يحتج وينبه ويلفت النظر، وكان الأجمل فيه أنه التزم السلمية في أغلبيته، وقام ينظف الشوارع في مواقع الاحتجاج.

هذا عن الخلفية البعيدة. أما القريبة فهي تقول لنا إن المغرب مقبل على اجتماع حاسم في مجلس الأمن آخر الشهر فيما يخص مغربية الصحراء. ليس هذا وفقط ولكن المغرب تهيأ لتنظيم كأس أفريقيا على أرضه، ويتهيأ لتنظيم كأس العالم مع إسبانيا والبرتغال في 2030. ولا يزال المغرب يعتمد صيغة مرنة ومعتدلة في قضية الصحراء هي صيغة الحكم الذاتي. وحين تضع هذا كله في إطار واحد، ومعه ما حققه البلد على مدى ربع القرن الماضي في الطرق والموانئ وصناعة السيارات والطائرات، وكله معلن وليس سراً، فلا بد أن تكون عين الحسود حاضرة مرة، وأن يكون الخصوم حاضرين يعطلون مرة ثانية.

لست أسعى إلى تخوين الشباب الذي خرج أو احتج، فهو شباب مغربي محب لبلده، وراغب في أن تكون في الموقع الأفضل دائماً، وإلا ما كان قد نظف مواقع الاحتجاج، وما كان قد حافظ على السلمية، وما كان قد أبدى حسن النية في كل ما صدر عنه منذ مطلع الشهر، ولكننا لا يمكن أن نغفل في المقابل أن لكل بلد خصوماً، وأنهم لا يسعدهم أن يحقق شيئاً أو أن يقطع خطوات على الطريق، وهؤلاء الخصوم لا أظن أنهم كانوا بعيدين عن تطبيق ديسكورد، الذي كان شباب زد 212 يتواصلون من خلاله فيما بينهم ولا يزالون.

بهاتين الخلفيتين يمكن القول إن ما بعد خروج شباب جيل زد 212 في المغرب سوف يختلف عما كان قبله، والرهان هنا هو على ما اشتهر به الملك من حزم رغم هدوئه، الذي يظهر به في كل المحافل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد