رقية ابراهيم الشيخ
من رائحة البحر الذي حمل أحلام الآباء، إلى أضواء الأبراج التي تعانق الغيم، سارت الكويت بخُطى واثقة بين الذاكرة والمستقبل.
كانت يوماً سفينة من خشبٍ تتحدى الموج، وأصبحت اليوم وطناً من فكرٍ ونورٍ يتحدى المستحيل.
لم تُغادر الكويت ماضيها، بل حملته في قلبها كوصيةٍ خالدة؛ فكل بناءٍ شاهق اليوم هو امتدادٌ لمجدٍ صُنع بالأيادي التي كانت تجدّف في اللؤلؤ والمطر.
وحين ننظر إليها اليوم، نرى وطناً جمع بين البساطة التي منحتنا الصدق، والحداثة التي منحتنا القوة.
الكويت اليوم لا تعيش على أمجاد الأمس، بل تُكملها - لتقول للعالم:
إنّ التاريخ الذي بدأ على شاطئٍ من رملٍ وصبر، يواصل الكتابة الآن بأبراجٍ من فكرٍ وكرامة.
الكويت... حين يصبح الجمال فلسفة وطن
ليست الكويت مجرد أرض صغيرة على الخريطة، بل هي فكرة كبيرة في وجدان من عاشها.
هي المكان الذي قرّر أن يكون العظمة في التفاصيل، وأن تُقاس الأوطان بما تصنعه لا بما تُحصيه المساحات.
برج الحمرا لا يقف شامخاً فقط لأنه الأطول خرسانياً في العالم، بل لأنه رمز الإرادة التي تعانق السماء. كأن الكويت أرادت أن تقول للعالم: إننا نصعد بثباتٍ من صخرٍ صنعناه بأيدينا، لا بزخارفٍ مستوردة.
أما «الأفنيوز»، فهو ليس مجرد مجمّع تجاري؛ إنه مرآة تعكس حيوية الروح الكويتية التي تعشق الحياة، وتعرف كيف تمزج الفخامة بالدفء والتجارة بالذوق والاستهلاك بالثقافة.
وفي الدينار الكويتي، تختصر الكويت فلسفتها في القيمة: ليست الكثرة ما يمنحك القوة، بل الثبات.
هو عملة تُقاس بها الثقة قبل أن تُقاس بالأرقام، كأنها تقول إنّ الكرامة الاقتصادية امتداد للكرامة الوطنية.
ثم يأتي مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي، ليكون أكبر مركز ثقافي في العالم، لكنه في الحقيقة أكبر من ذلك معنى لا حجماً. إنه مشروع وعيٍ وامتنان، يوثّق ذاكرة الإنسان الكويتي، الذي لم يكتفِ بالثروة، بل أراد أن يترك إرثاً من الفكر والمعرفة.
وفي حديقة الشهيد، تنبض الفلسفة الخضراء: حيث الجمال يتصالح مع الفقد، والنخيل يروي حكايات من صبر الشهداء.
هي مساحة سلام، تُذكّرك أن الوطن لا يُقاس فقط بما يُبنى، بل بما يُروى من تضحيات.
أما جسر الشيخ جابر، فهو طريق بين اليابسة والاحتمال. أطول جسر في الشرق الأوسط، لكنه أيضاً أطول امتداد بين الماضي والمستقبل. كأن الكويت أرادت أن تُجسّر المسافات بين الحلم والواقع، بين البحر والإنسان، بين الحنين والطموح.
وهكذا، حين تجمع كل هذه التفاصيل، تكتشف أن الكويت ليست الأجمل لأنها تتفاخر بالعظمة، بل لأنها تعيشها ببساطة.
جمالها لا في الإسمنت ولا في الذهب، بل في روحها التي ما زالت رغم كل شيء، تبتسم للوطن كما تبتسم الأم لطفلها.
الكويت ليست وطناً يُوصف... بل هي إحساسٌ يُعاش.
هي الأجمل، لأنها حين تبني، تُشبه الإنسان الكويتي ذاته: قويّ، كريم، وعميق.
الكويت... ليست ماضياً يُروى ولا حاضراً يُعاش فحسب، بل حال من الخلود تسكن الوعي، وتتمدّد في وجدان مَن عرفها.
هنا وطنٌ لم يُبنَ بالمال وحده، بل بالعزيمة التي قاومت البحر، وبالإيمان الذي صدّق الحلم قبل أن يراه.
هنا أرضٌ تُنبت من الرمل معنى الكرامة، ومن النفط شعاع الحضارة، ومن أبنائها وعداً لا ينكسر:
أن تظل الكويت، مهما تغيّر الزمن، منارة فكرٍ، وواحة إنسان، ونبض عزّة لا يخبو.
هي الكويت...
وطنٌ إذا ذُكِر اسمه، وقف التاريخ إجلالاً،
وابتسمت الجغرافيا وقالت:
هنا تُصنع الأوطان كما تُصنع المعجزات.