الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط ضيّقة ووعرة، بمنعطفات خطرة. كل محاولات عبورها منذ عام 1948 تتوقف في نقطة ليست بعيدة من خط البداية، ما يستدعي العودة. هذه المرّة، بدأ المعلقون في النقاش حول احتمال نجاح رجل الأعمال والرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب في تحقيق ما فشل فيه من سبقوه من رؤساء، ويعزون ذلك إلى انتهاجه نهجاً جديداً مخالفاً لهم، يقوم على اتفاق الوسطاء، وإلزام الأطراف المتنازعة بقبوله وتنفيذه.
المعروف عن رجال الأعمال أنّهم لا علاقة لهم بالعقائد والآيديولوجيات. وأنّهم عمليون ونفعيون. أغلبهم، وخاصة من أثبتوا جدارتهم، يمتلكون حاسة سادسة تقودهم مباشرة، ومن أقصر الطرق، إلى الهدف.
قبل الرئيس دونالد ترمب، اعتُبر الشرق الأوسط مقبرة الدبلوماسية الأميركية. لم يفلح رئيس أميركي قبل ترمب في حلحلة الصخرة وتكملة الطريق. الرئيسان؛ الراحل جيمي كارتر، والأسبق بيل كلينتون، حاولا إحداث ثغرة في الصخرة، في «كامب ديفيد». جيمي كارتر نجحت محاولته في الوصول إلى سلام بين مصر وإسرائيل. سلامٌ منذ توقيع اتفاقه ظل يوصف في وسائل الإعلام بالبارد. لكنه سلامٌ على أي حال، وضع نهاية للحروب بين البلدين. واستحق الراحل جيمي كارتر على ذلك منحه جائزة نوبل للسلام.
الرئيس الأسبق بيل كلينتون فشلت محاولته، لأن مستوطناً إسرائيلياً متطرفاً أطلق رصاصة الموت على الاتفاق، باغتياله رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إسحاق رابين.
الباقون عادوا بأيادٍ فارغة. الأسباب غير مجهولة. أبرزها العناد الذي واجهوه جميعاً من قبل الحكومات الإسرائيلية برفض الخوض في أي تفاوض أو حوار يتعلق بإمكانية تحقيق مبدأ التعايش المشترك سلمياً مع الفلسطينيين، سواء في دولة واحدة، أو دولتين مستقلتين. هذا من جهة. من جهة أخرى، أنهم جبنوا عن استخدام ما لديهم من صلاحيات وقوة يمنحها لهم المنصب، لفرض إراداتهم.
الرئيس ترمب رجل أعمال معروف، وما زال. دخل عالم السياسة فجأة، وكأنه نزل من الجو بمظلة. في فترته الأولى حقق مشروع اتفاقات السلام في عام 2020، لكن المشروع توقف بسبب خروجه من البيت الأبيض. وحين تمكن من الفوز في الانتخابات الأخيرة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024، كانت حرب غزة قد استحوذت على المشهد منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. لذا، حين باشر مهام منصبه في يناير (كانون الثاني) من هذا العام، لم يعد ممكناً فتح ملف اتفاقات السلام مجدداً حتى الحديث عنه. وبدلاً من المسارعة بالتدخل لإطفاء نار الحرب زادها اشتعالاً. أولاً بعدم الضغط على إسرائيل بالالتزام باتفاق إطلاق النار الأول الذي وقّعته بمبادرة من الرئيس الأميركي السابق بايدن. الثاني، بتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر والدعم الدبلوماسي.
طريق السلام، حتى هذه اللحظة، ما زالت على سابق حالها من الضيق والوعورة وخطورة المنعطفات. حلحلة الصخرة الكبيرة وفتح الطريق للوصول إلى الهدف، كما يؤكد المعلقون، أبرز مهام الرئيس ترمب منذ الآن وصاعداً.
نجاح عملية التفاوض لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وعودة المساجين الفلسطينيين، وسكان القطاع إلى أنقاض وركام مدينتهم وبيوتهم وحيواتهم خطوة إيجابية أولى تمّت بسلاسة، لكنها لا تفضي حتى الآن إلى الاستنتاج بنجاح التفاوض المقبل حول بقية البنود التسعة عشر الأخرى في خطة الرئيس ترمب، رغم ما حُشد لها من دعم عربي وإسلامي ودولي.
رفض الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل، ومن قبلهم من حكومات إسرائيلية، لأي مشروع سلام يستهدف إقامة دولة فلسطينية كان وسيظل العقبة الأبرز، وليس تسليم «حماس» أسلحتها. الرئيس الأميركي ترمب ومبعوثاه ومستشاروه لا يجهلون ذلك. السؤال يتمحور حول مدى قدرة الرئيس ترمب وإدارته على فتح أبواب الأمل أمام الفلسطينيين للتخلص من عسف الاحتلال، في دولة مستقلة. التقارير الإعلامية باختلافها تمتدح الرئيس ترمب كونه أجبر رئيس الحكومة الإسرائيلية مرتين. في الأولى بالاعتذار شخصياً لأمير قطر على الاعتداء غير المبرر على بلاده، والثانية على قبول وقف الحرب.
بداية الطريق نحو سلام شامل في المنطقة تبدأ بإقناع حكومة إسرائيل بمقولة الروائي الليبي إبراهيم الكوني إن «المبالغة في الدفاع النفس هو عدوان»، وأن سلامة أمنهم القومي وسلامة شعبهم لا يتحققان بشنّ الحروب ضد الجيران، بل بشعور جيرانهم بالأمن والأمان وسلامة أمن بلدانهم وشعوبهم.
تظل الحقيقة الجوهرية التي يعرفها كل رجل أعمال؛ الصفقة الناجحة ليست تلك التي تلبي رغبات طرف واحد، بل تلك التي تلزم الطرفين بالخروج من المفاوضات بشيء ذي قيمة. بالنسبة لترمب، فإن مهمة إقناع إسرائيل بالسلام ليست سوى «صفقة القرن» الحقيقية التي تفوق كل ما سبقها. وينبغي أن ينجح في إجبار الحكومة الإسرائيلية على رؤية أن أمنها القومي لا يقاس بأسلحة الدمار، بل بوجود جار آمن ومستقل.