نتفق جميعاً على أن الهدر الغذائي يشكل أحد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب وعياً متقدماً وإدارة للموارد.. فكل كمية طعام تُهدر تحمل في طياتها هدراً في الجهد والإنتاج والطاقة والمياه، ما يعني خسائر تمتد من المزارع حتى المستهلك.. وتقليص هذا الهدر يسهم في رفع كفاءة سلاسل الإمداد وتحقيق وفورات مالية تعزز الناتج المحلي وتدعم الأمن الغذائي.. وعلى المستوى الاجتماعي، يعكس سلوك التعامل مع الطعام مستوى الوعي والمسؤولية في المجتمع، فكل مبادرة للحد من الفاقد تمثل خطوة نحو مجتمع أكثر التزاماً واستدامة وقدرة على توجيه موارده نحو التنمية الفاعلة.
لذلك اهتمت المملكة بشكل كبير بقضية الهدر الغذائي، انطلاقاً من إدراكها العميق لأثر هذه الظاهرة على الأمن الغذائي والاستدامة الاقتصادية.. وفي هذا الإطار، جاء البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء ليكون مبادرة استراتيجية تجمع بين التوعية المجتمعية والعمل المؤسسي والتنظيمي، بهدف بناء منظومة متكاملة تحفظ النعمة وتُحسن إدارة الموارد.. إذ تشير الأرقام الصادرة عن البرنامج إلى أن متوسط نصيب الفرد من الأغذية المهدرة في المملكة يبلغ نحو 87.8 كجم سنوياً، وهو معدل يعكس حجم التحدي وأهمية تكثيف الجهود للحد منه من خلال تطوير الممارسات في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وبناء شراكات واسعة تجاوزت 150 جهة من القطاعين العام والخاص، شملت سلاسل الإمداد الغذائي والقطاع الزراعي والمطاعم والفنادق والجمعيات الخيرية، بما يضمن تكامل الجهود نحو تقليل الفقد في المراحل كافة.. كما أجرى البرنامج دراسات متخصصة على أكثر من 19 سلعة غذائية لقياس نسب الفقد والهدر بدقة، في خطوة تهدف إلى بناء قاعدة بيانات علمية تسهم في تطوير الحلول والسياسات المستدامة.
هذه الجهود تتطلب منا كمجتمع إدراك أهمية الإسهام في تقليل الهدر الغذائي إذا ما علمنا أن دراسات البرنامج توضح أن نسبة الفقد والهدر في الغذاء داخل المملكة تبلغ نحو 27.9 %، وهذا يعني أن ما يقارب ثلث الغذاء المنتج لا يصل إلى المستهلك النهائي، ما يستدعي تبنّي ممارسات يومية تبدأ من مرحلة التسوق مروراً بطريقة التخزين وانتهاءً بترشيد الاستهلاك.. فكل فرد قادر على أن يكون جزءاً من الحل من خلال التخطيط السليم للوجبات، ومراعاة الكميات، والاستفادة من الفائض بطرق مبتكرة تضمن استدامة الموارد وتقليل النفايات.. كما أن تعزيز الشراكة بين الأسر والمطاعم والجمعيات يسهم في حفظ كميات كبيرة من الأغذية القابلة للاستهلاك، ما ينعكس إيجاباً على المجتمع والاقتصاد ويعزز ثقافة الوعي والمسؤولية تجاه النعمة.