: آخر تحديث

صوت لمن لا صوت له

16
13
15

هل آن للعالم أن يهتف: وداعاً للخَرَس؟ إنها البشرى التي حملها فريق من الباحثين في «جامعة كاليفورنيا»، في لوس أنجلوس، إلى المحرومين من الكلام. الأمل وطيد في أن تنعتق الألسنة والحناجر التي ظلت عشرات ألوف السنين عاجزة عن العزف على أوتارها الصوتية.

الفريق متخصص في فرع من الذكاء الاصطناعي، يسمّى «الروبوتية الناعمة»، التي تستخدم موادّ ذات مرونة فائقة، تشبه الموجودة في الكائنات الحيّة. تتمثل هذه التحفة الخوارزمية، في إلصاق شريحة بالرقبة تُحوّل حركات عضلات الحلق والحنجرة إلى إشارات كهربائية، تُترجَم إلى مخارج حروف، ناجحة بنسبة 94%. هذا الذكاء الاصطناعي ألمعيّ، فهو يضفي على جميع مخارج أصوات الشخص، بصمته الصوتية، فلكل إنسان بصمته الخاصّة. الطريف أن الذكاء الاصطناعي، في حالة انعدام أيّ بصمة، يبتكر بصمة مميّزة خاصة. يعتقد القلم أن للأخرس بصمته الصوتية، إذا ظل قادراً على إصدار المصوتات كالهمزة المضمومة، المفتوحة، المكسورة والواو والياء. أمّا إذا انعدمت إمكانية إصدار الأصوات كليّاً، فحينئذ تضع الخوارزميات بصمة لا يملكها أحد، لفرادة خصائص الحلق والحنجرة. للأسف، المقال الذي نشره الموقع الفرنسي «فوتورا سيانس»، وكُتب بالتعاون مع «أهلاً بالمستقبل» (هلّلو فوتور) (15 يوليو)، لم يجزل الشرح في هذا الشأن.

لك أن تسافر بعيداً في الخيال العلمي مع هذا الإنجاز الإعجاز إن جاز. إذا أصبح في إمكان الإنسان أن يُبين بلا أوتار صوتية (القلم ينفر من تسميتها حبالاً)، فهل يمسي قادراً على الغناء، فيتألق بين الخُرْس ورثة كوكب الشرق، بافاروتي، وديع الصافي، ماريا كالاس؟ أمّا إذا اختار المحرومون من النطق (سابقاً) أن يكونوا مذيعين ومقدمي برامج، فلا شك في أنهم لن يقبلوا الإساءة إلى لغتهم بكثرة اللحن، فلن يقربوا البث إلا وهم مقتدرون واثقون. سوف تكون لهذه الشريحة الناعمة نِعَم أخرى. هي مؤهلة للعمل في أيّ موضع من الجسم: تجسّ النبض وتحلّله، تقيس ضغط الدم، وتستطيع مراقبة أمراض تنفسيّة عدّة.

سألت القلم: ما الذي طاف بالخاطر؟ قال: شطحتُ بعيداً، سعيداً، بحلم يُمنّي النفوس طوال القرون بفجر جديد. لكن، «ما كل ما يتمنى المرء يدركه». الذكاء البيولوجي أخفق في إيصال البشرية إلى شاطئ السلام، فهل يحققه الذكاء الاصطناعي؟ الروبوت الناعم أعطى صوتاً لغير القادرين على النطق، فهل تنطق على يديه القيم المخنوق صوتها: الحرية، حق تقرير المصير، العدل، سيادة الشعوب المستضعفة، القضايا العادلة، إعادة إعمار البلدان المدمّرة؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الصوتيّة: في عالم قانون الغاب، تمسي القيم ظاهرة صوتية، حين يكون القانون الدولي أخرس.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.