: آخر تحديث

شرايين الطاقة وغيبوبة أوروبا

39
33
35
مواضيع ذات صلة

أمن الطاقة العالمي هو بلا شك يهم الجميع دون استثناء، ولا تقتصر أهميته على الدول من منتجين ومستهلكين، بل تتعدى ذلك لتصل حتى إلى الأفراد وتلامس حياتهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة. بعيدا عن دهاليز السياسة وأغوارها فيما يخص الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، إلا أنه عند الحديث عن أمن الطاقة العالمي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز روسيا، كونها ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 10.6 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات، وكونها كذلك أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب. شرايين الطاقة الروسية من النفط والغاز مهمة جدا للعالم بأسره ولاستقرار أسواق الطاقة العالمية، وهي بطبيعة الحال أكثر أهمية بصورة خاصة لأوروبا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشكل إمدادات الطاقة الروسية نحو 35 في المائة من الاستهلاك الألماني للطاقة، وهي نسبة كبيرة جدا. لهذه الحرب تداعيات كثيرة على الاقتصاد الأوروبي، فقد انخفض اليورو إلى أقل من 1.1 دولار لأول مرة منذ نحو عامين، وسجل أقل مستوى في سبعة أعوام مقابل الفرنك السويسري مع تراجع توقعات النمو الاقتصادي الأوروبي بسبب هذه الحرب. فيما يخص الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه أوروبا بشكل كبير، فقد تأثرت أسعاره بالنزاع الحاصل في أوكرانيا حيث تجاوز سعره عتبة 200 يورو لكل ميجاواط في الساعة. الجدير بالذكر أن الصادرات الروسية من الغاز تشكل نحو 40 في المائة من واردات الغاز الأوروبي. التلويح بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا تمس شرايين الطاقة فيها دفع أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة، حيث سجل سعر خام برنت نحو 118 دولارا للبرميل، وتجاوز سعر برميل الخام الأمريكي مستوى 110 دولارات للبرميل.
في رأيي، إن كثيرا من المفاجآت سيواجه أسواق الطاقة عموما، والنفط على وجه الخصوص، خلال الفترة المقبلة، وكل ذلك مرهون بمستوى التصعيد في هذه القضية. ما زلت أتوقع أن العقوبات الغربية بقيادة "الناتو" لن تطول شرايين الطاقة الروسية بصورة مباشرة، حيث إن التصعيد وتعميق العقوبات سيدفعان أسعار النفط إلى مستويات أعلى قد تتجاوز 150 دولارا للبرميل، وإذا ما تم فرض عقوبات مباشرة على إمدادات الطاقة الروسية، فهذا قد يدفع بالأسعار إلى أكثر من 180 دولارا للبرميل. بنك جي بي مورجان يتوقع أن تصل أسعار النفط إلى 185 دولارا للبرميل في 2022 إذا ما تم تقييد صادرات النفط الروسية، وقد تصل الأسعار - في رأيي - إلى هذه المستويات تحت تأثير عوامل كثيرة، على رأسها عاملان مهمان جدا - في اعتقادي -، العامل الأول أن يتم بالفعل فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط الروسية، ما سيؤثر بصورة حادة في ميزان العرض والطلب، والعامل الآخر ألا يتم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها ويسمح لصادرات النفط الإيرانية بالعودة إلى الأسواق العالمية التي تتجاوز 2.5 مليون برميل يوميا. في رأيي، إن أوروبا لن تقطع شرايينها بيديها، ولن تدخل في غيبوبة اقتصادية بسبب أوكرانيا، لكن قد تكتفي بالتلويح والتصريح فيما يخص ملف الطاقة!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد