ايلاف من الرباط: خصصت الحكومة المغربية 1.1 مليار دولار لتنزيل استراتيجية رقمية متقدمة، تهدف إلى تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستغلال الأمثل للذكاء الاصطناعي، وذلك عبر تكوين 100 ألف شخص في المهن الرقمية وخلق 240 ألف فرصة شغل في أفق 2030.
وأعلن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن هذه التدابير خلال افتتاح المناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي، التي انعقدت الثلاثاء في مدينة سلا، موضحاً، في كلمة عبر تقنية التناظر المرئي، أن هذه الرؤية تندرج ضمن استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الرقمي، وتحديث الإدارة العمومية، وتطوير الخدمات الأساسية.
الذكاء الاصطناعي في خدمة القطاعات الحيوية
وسلط رئيس الحكومة الضوء على الاستخدامات العملية للذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى نتائجه الملموسة في قطاعات حيوية.
ففي قطاع الصحة، ساهمت الحلول الذكية في تحسين التشخيص المبكر وتعزيز مسار العلاج، بينما ساعدت في القطاع الفلاحي على رفع فعالية تدبير الموارد المائية وزيادة المردودية، وفي التعليم عبر إدخال أدوات بيداغوجية متطورة تقلص نسب الهدر المدرسي وتُحسن جودة التعلمات.
مفارقة سوق الشغل: التهديد والفرص
وحذّر أخنوش من "مفارقة سوق الشغل"، مشيراً إلى أن الشركات التي لا تواكب هذا التحول الرقمي قد تواجه خطر التراجع أمام المنافسين، فيما قد يؤدي اعتماد الذكاء الاصطناعي إلى تهديد بعض الوظائف التقليدية، خصوصاً في مجالات مثل الخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات.
وأعلن أخنوش أن المغرب أمام خيار استراتيجي "إما الانخراط في الثورة الرقمية واستثمار فرصها، أو التخلف عن ركب التنافسية العالمية".
تحديات أخلاقية وأمنية
وفي مقابل الفرص الاقتصادية والتكنولوجية، حذّر رئيس الحكومة من مخاطر تزييف المعلومات والتلاعب بالمعطيات باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن انتشار المحتويات المفبركة يهدد الرأي العام والقيم المجتمعية، ويستدعي إطارًا صارمًا للحكامة الرقمية.
ودعا إلى وضع قواعد واضحة تؤطر استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن مقاربة تشاركية تشمل الدولة والقطاع الخاص والجامعات والمجتمع المدني، مشدداً على أن بناء الثقة يتطلب حماية صارمة للمعطيات وتوفير ضمانات قانونية وأخلاقية.
وذكر اخنوش أن الاستثمار في الموارد البشرية والبحث العلمي يمثل حجر الزاوية في بناء ذكاء اصطناعي سيادي وأخلاقي، داعياً إلى إصلاحات في مجال التربية والتعليم، مع تشجيع الابتكار في هذا المجال.
السغروشني: الذكاء الاصطناعي شرط للسيادة الوطنية
من جانبها، ذكرت وزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، أن إدماج الذكاء الاصطناعي في السياسات العمومية أصبح شرطاً جوهرياً للسيادة الوطنية، وليس مجرد خيار تقني أو إداري. وأضافت أن "الدولة التي لا تدمج هذه التكنولوجيا في قراراتها ومؤسساتها، تُخاطر بفقدان القدرة على التأثير والتحكم في مستقبلها التنموي".
ودعت الوزيرة السغروشني إلى تحيين استراتيجية "المغرب الرقمي 2030"، عبر جعل الذكاء الاصطناعي محركاً رئيسياً للتحول الرقمي، بدلاً من اعتباره مكوناً تقنياً ثانوياً، مشيرة إلى ضرورة تكييف الرؤية الوطنية مع الواقع الرقمي المتحول على الصعيد العالمي.
الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل علاقة الدولة بالمجتمع
وأبرزت السغروشني أن الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولاً جوهرياً في علاقة الدولة بالمواطن، عبر إعادة تشكيل نماذج اتخاذ القرار وتوزيع السلطة المعلوماتية، وهو ما يعيد صياغة مفاهيم العدالة والفعالية والمصداقية داخل النظام الديمقراطي.
وقالت إن "المعركة اليوم ليست بين رقمي وغير رقمي، بل بين من يستوعب عمق التحول الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي، ومن لا يزال يعتبره رهانا مؤجلاً أو نقاشاً نخبويًا".
كما نبهت الوزيرة السغروشني إلى تحديات بنيوية يفرضها الذكاء الاصطناعي، من بينها تحيزات الخوارزميات، وغياب المساءلة المؤسساتية عن القرارات الخوارزمية، إضافة إلى تحول غير مرئي لمراكز اتخاذ القرار نحو طبقات رقمية تفتقر إلى الشفافية.
وخلصت السغروشني الى أن نقص الكفاءات الرقمية داخل القطاع العام يمثل عقبة رئيسية، تستدعي إصلاحات عميقة في التكوين والإدارة العمومية، لضمان مواكبة هذا التحول الرقمي بكفاءة وعدالة.